مذكرات نيلسون مانديلا: رحلتي الطويلة من أجل الحرية
النضال الصادق بلا مساومة ولا تنازل، والقدرة على مسامحة الأعداء واقتسام الحاضر والمستقبل معهم.. عبقريةٌ انفرد بها نلسون مانديلا وجعلت منه رمزا عالميا للإنسانية في معنى مُتجسّد.. هذا الكتاب هو وثيقة تاريخية، تضيىء مراحل مهمة من حياة هذا الإنسان الذي سيبقى مُلهما لمن اختاروا النضال على طريقته المتفرّدة.
يمكن أيضا تحميل الكتاب من هنا:
جلسات مؤتمر الكتلة التاريخية على قاعدة الديمقراطية
الكاتب الجماعة العربية للديمقراطيةجلسات اللقاء التاسع عشر لمشروع دراسات الديمقراطية 2009 بعنوان "الكتلة التاريخية على قاعدة الديمقراطية"
33 مقطع فيديو على موقع اليوتيوب - اضغط هنــا.
يمكن الإطلاع على نصوص البحوث من هنــــا.
ويمكن الإطلاع على تقرير عن المؤتمر من هنــا.
المشاركون في اللقاء:
أحمد الشاهي\ بريطانيا
أسماء حسين\ بريطانيا
جورج القصيفي لبنان / عُمان
حسن موسى الشفيعي البحرين / بريطانيا
خديجة صفوت السودان / بريطانيا
راشد الغنوشي تونس / يريطانيا
رغيد الصلح\ لبنان
ريم صلاح الدين أبوالفضل مصر / بريطانيا
سعد ناجي جواد العراق / بريطانيا
سعيد الشهابي البحرين / بريطانيا
سميرة إبراهم رجب البحرين
شهيرة سمير سامي مصر / بريطانيا
صباح المختار العراق / بريطانيا
ضياء الفلكي العراق / بريطانيا
عاطف عبد العزيز الشهري السعودية / بريطانيا
عايشة حسن الجابر\ قطر
عباس عبد العزيز ناصر العمران البحرين / بريطانيا
عبد الرزاق التكريتي فلسطين / بريطانيا
رفيق عبد السلام بو شلاكة تونس / بريطانيا
عبد العزيز حسين الصاوي السودان / بريطانيا
عبد الفتاح محمد ماضي\ مصر
عبد الله النيباري\ الكويت
عبدالرحمن بن هليل المطيري السعودية / بريطانيا
عبدالغني كاظم العراق / كندا
عبدالله محمد أحمد الفقيه اليمن
علاء التميمي العراق / كندا
علاء الدين حسين حسن العراق / بريطانيا
علي الصفار \ بريطانيا
علي حسين المفتاح\ قطر
علي خليفه الكواري\ قطر
علي قاسم محمد ربيعة\ البحرين
عمر العجب السودان / بريطانيا
كامل مهدي العراق / بريطانيا
مجدوب عبد المؤمن الجزائر
محمد سعيد طيب \ السعودية
مرفت حسن مصر / بريطانيا
منصور يوسف العجب\ السودان
منيرة أحمد فخرو البحرين
ناصر قلاوون لبنان / بريطانيا
نبيلة حمزة تونس / الأردن
نيرة القصاب المختار العراق / بريطانيا
موقع الجماعة العربية للديمقراطية غير مسؤول عن محتوى المواقع الخارجية
مقدمة:
تأتي أهمية هذا الكتاب من عدة نقاط ، أولها ما يتعلق بالموضوع نفسه فهو يتطرق إلى هوية الأمة المتمثلة في الإسلام من خلال مواقف الحركات الإسلامية وفهمها المنبثق من المرجعية الإسلامية على سعتها للديمقراطية كمنهج للعصر وما يترتب على هذا الفهم من إمكانية للنهوض أو تراجع وإنكفاء على النفس.
النقطة الثانية ، التي تؤكد على أهمية هذا الكتاب ، تتمثل في الهدف الذي يسمو إلى تحقيقه وهو كما يشير "المحرر" في التوطئة له إيجاد الأرضية الصالحة لإمكانية إقامة التسوية التاريخية بين الجانبين لتجاوز العقبات حيث لا بد من نقطة إلتقاء بين الجانبين ولا بد كذلك من وجود جزء مشترك بينهما مهما كا ذلك صغيراً أو محدداً يمكن من خلاله تحقيق هذه التسوية التاريخية.
النقطة الأخيرة التي تبرز هذه الأهمية هي في كونه حصيلة منتدى فكري إلتقت فيه مختلف الآراء قرباً أو بعداً في نظرتها من إمكانية تحقيق مثل هذه التسوية التاريخية إعتماداً على رؤيتها وتصوراتها حول مفهوم الديمقراطية وملاءمته للإلتصاق بالمنظور الإسلامي من عدمه. أيضاً تأتي مقدمة الكتاب التي كتبها د. علي محمد فخرو الوزير البحريني السابق والمفكرة المعروف لتضفي جانباً من الأهمية على طريقة معالجة مثل هذا الموضوع الشائك ، حيث يشير إلى نقطة هامة موضوعية يجب التركيز عليها بعيداً علن المعالجة الفكرية لمسألة الديمقراطية التي أشبعت بحثاً وهذه النقطة تتمثل في السؤال التالي ، هل تحمل الديمقراطية حلولاً أساسية وفاعلية لمشاكل المجتمع العربي؟ ويشير كذلك إلى عدم أهمية المسمى ولكن يجب الإتفاق على الأقل على حد أدنى للعلاقات ضمن أي نظام يتمثل في إعتبار الفرد مواطناً لا مرعياً وحقوق العدل والمساواة وحق الناس في إختيار حكامهم وإيجاد دستور وإستقلال القضاء وتداول السلطة… إلخ. ويؤكد كذلك ومن خلال تجربته الشخصية وجود مشاكل في معالجة موضوع الديمقراطية ولا سيما لدى النخب فهناك الموقف "الثقافوي" الذي يتعامل مع المجتمع من خلال ثقافته وليس من خلال حاجته كالإشارة إلى عدل أبا بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما عند الحديث عن الديمقراطية وتتبنى هذا الموقف النخب التقليدية من قبيلة وعائلة حيث الحديث عن السلف الصالح. أما الموقف الآخر فهو موقف إنفصامي ونكوصي وغير أخلاقي حينما ترفض النخب العربية إفرازات الديمقراطية حيث تكون النتيجة تسلم الإسلاميين الحكم كما حصل في الجزائر وهو موقف يتبناه أصحاب الإنقلابات والرتب العسكرية ويحدد د. فخرو على أنه ربما تكون الخطوة العملية هي في قيام جبهة عريضة من مختلف التيارات داخل المجتمع تتفق فيما بينها على تبني قضيتين أو ثلاث من قضايا المجتمع المحورية لإيقاف سرعة هذا التدهور الذي يشهده الوضع العربي الحالي.
الفصل الأول: أولاً : الإسلاميون والدولة والمسألة الديمقراطية "وليد نويهض"
1 . تحديد إطار البحث:
يقرر هذا الفصل صعوبة حصر مواقف الحركة الإسلامية العربية من مسألة الديمقراطية لعدة أسباب منها ، تنوع التنظيمات الإسلامية وإختلاف ظروفها المكانية والزمانية وكذلك تاريخ كل تنظيم وتطور أفكاره وتعرض توجهه السياسي بين فترة وأخرى وأيضاً صعوبة الحصول على وثائق مختلف التنظيمات نظراً لتنوعها من جهة ولجوء بعضها إلى العمل السري من جهة أخرى وكذلك إنقسام التنظيم الواحد وتعدد مصادر كل طرف سواءً الفكرية أو الثقافية أو الإجتماعية. لذلك قام الباحث بتوزيع عمل الجبهات الإسلامية إلى فريقين حتى يكن حصر البحث ، الفريق الأول هو ذلك الذي يشارك وبنسب متفاوتة في بعض البرلمانات العربية وحكوماتها ، والثاني هو ذلك الذي يناهض الأنظمة العربية ويحاربها سياسياً في بعض المناطق وعسكرياً في مناطق أخرى.
وقد قام الباحث بإستبعاد الفريق الأول لسبب بسيط وهو عدم وجود مشكلة لديه مع الدول العربية التي يتحرك داخلها ، وأنصب الإهتمام على الفريق الثاني لتواجد المشكلة سواءً كانت في سلبية التنظيم نفسه من الديمقراطية أو سلبية الدولة وحساسيتها من التنظيم ، وتم كذلك تحديد ثلاثة نقاط لا بد من إلقاء الضوء عليها لتوضيح وجهة هذا الفريق من الديمقراطية وهي أولاً؛ تطور الفكرة وإختلافها داخل التنظيم نفسه. والثانية: التنازع بين المنظمات الإسلامية وإختلاف تفسيراتها للمسألة الديمقراطيـة ، والثالثة: فهي علاقة تلك التنظيمات بالسياسة وعلاقة السياسة بها ولإكتمال البحث كان لا بد كذلك من تحديد نمط العلاقة بين هذه التنظيمات والدولة الوطنية "المعاصرة الحديثة" وأيضاً موقف الدولة من مسألتي الديمقراطية.
2 . الإشكالية المعرفية:
ثم يتطرق الباحث إلى أهمية وضع إطار عام لحدود الإشكالية المعرفية المتعلقة بفكرة الديمقراطية فهناك فرق كبير بين أن تكون الديمقراطية فكرة أيديولوجية جاهزة بمعنى معطى نهائي يقدم كنموذج سحري للشعوب والأمم وبين أن تكون صيغة تاريخية قابلة للتعديل والإضافة والتطور لذلك فهي تختلف من مجتمع متجانس عنها في مجتمع آخر غير متجانس كما لاحظ ذلك بعض علماء الإجتماع ، فهي في الأول تعزز الوحدة وتطورها سليماً بينما في الثاني لا بد من أن تكون توافقية تحترم حقوق الأقليات المختلفة عن الأكثرية ، ويطرح الباحث هنا تعريف د. علي خليفة الكوراي حول خصائص الديمقراطية المعاصرة (مجلة المستقبل العربي – فبراير 1993م) الذي يرتكز على نقطتين أساسيتين ، الأولى أن الديمقراطية منهج وليست عقيدة والثانية أنها مقيدة وليست مطلقة إذ لا بد من دستور يتراضى الجميع على أحكامه ويقبلون الإحتكام إليه ويتطرق التعريف إلى إشكالة إستبداد الأغلبية في منطقة تتنوع فيها الديانات والسلالات والمذاهب والتركيبات الإجتماعية التقليدية ويشير الباحث إلى أهمية هذا الجزء من التعريف لأنه يخرج الديمقراطية من عالم الأفكار إلى عام الواقع ويؤسسها على الإجتماع والتاريخ لا على النظريات المجردة فتخرج من معطى النص إلى تعقيدات الواقع. كما يتعرض إلى محاولة الشيخ راشد الغنوشي "رئيس جمعية النهضة التونسية" ردم الهوة بين المستوى المعرفي والمستوى التاريخي فيما يتعلق بمفهوم الديمقراطية حيث ربط بين الديمقراطية والهوية بحيث لا يمكن الحديث عن ديمقراطية بلد دونما الحديث عن هويته لأن التنظيم الإجتماعي للحرية في شكل دولة يفترض وجود أرضية معينة يتحرك عليها العمل السياسي وتكون هي الإطار الجامع للجماعات السياسية حيث تشترك في هوية شخصية جامعة لذلك فالديمقراطية تفترض مضموناً ثقافياً وهذا المضمون في المجتمعات الإسلامية هو الإسلام. أما فهمي هويدي فيذكر أن الديمقراطية ما هي إلا تطوير أوروبي لنظام النحل والملل الإسلامية نتيجة لإحتكاك الدول الأوروبية بالدول العثمانية. كما يبين هذا الفصل إلى أن هناك قراءات مختلفة للديمقراطية من قبل الحركات الإسلامية المعاصرة ، فهي كفكرة كانت حاضرة في أعمال الإسلاميين الفكرية منــــذ منتصف القــــرن التاسع عشـــر ويمكن إيجاز ذلك في أربعة مدارس:
الأولى: حاولت أن تبرز الإسلام مقابل الديمقراطية الغربية ، والثانية: أبرزت نظرية الشورى في الإسلام مقابل ديمقراطية الغرب ، والثالثة: حاولت التشكيك بالهجوم على ديمقراطية العرب ، والرابعة: رفضت الديمقراطية وأعتبرتها لا تمت إلى الإسلام بصلة " زكي احمد – المستقبل العربي – العدد 164".
3 . الخلط بين المفاهيم والمصطلحات:
أدى مثل هذا الخلط بين المفاهيم والمصطلحات إلى سجالات فكرية لا تنتهي ولم يساعد على إيجاد مقاربة فعلية بين الإسلام والديمقراطية ، فالخلط بين الديمقراطية كآلية لتنظيم الخلاف وبين المفاهيم الإيديولوجية المتعلقة بالعلمانية والليبرالية ، فالفكرة مقبولة إذا كانت تعني العدل والمساواة ومرفوضة إذا كانت تعني العلمانية والتغريب ، وهنا يحذر الشيخ راشد الغنوشي مـــــن الموقــــــف اللا أخلاقي الذي قد يتخذه الإسلاميون في حالة وصولهم إلى السلطة من مصادرة لحق العمل الحزبي وحرية التعبير وهو ما يطالبون به الأنظمة العلمانية حالياً ، ويؤكد العلامة محمد حسين فضل الله في هذا الخصوص أنه عندما يتكلم عن الديمقراطية فإنه يعني " ضد الإستبداد ولكن لا يمكن القبول والإلتزام بكل نتائجها على مستوى القضايا الإسلامية خاصة تلك التي تتصل بالتشريع". من هنا يمكن القول بأن ولكن هناك مستوى من القبول باللعبة الديمقراطية وممارستها ولكن السؤال الموجه إلى الأنظمة التي ترفض الديمقراطية وتقمع المجتمع السياسي ومحاولة إعتقاله ومنعه من التعبير عن ذاته كما سنرى في عدة دول عربية.
ثانياً : مسلمون وإسلاميون:
من الضروري التمييز بين خطين إسلاميين كبيرين يتنافسان على تأكيد شرعية التمثيل ومشروعية الفكر والمنهج وهما ، تيارات الأخوان المسلمين وتوجهها العقلاني وتيارات الجماعات الإسلامية ومنظمات الجهاد التي ترفض الأسلوب السلمي والفرق بين التيارين يتمثل في أسلوب المكاشفة لدى الأخوان مقابل أسلوب العمل السري لدى التيارات الأخرى.
1 . تطور فكرة الديمقراطية لدى تيار الأخوان المسلمين : تغير موقف الأخوان إيجابياً تجاه فكرة الديمقراطية بعد تعرضها للحل إبان الحكم الناصري وهي التي كانت تدعو إلى حل جميع الأحزاب قبل عام 1952م في حين أن الجماعات الإسلامية ترى أن الديمقراطية تنبع من تعدد الإيديولوجيات وهذا أمر مناهض ومرفوض مع الإسلام ، فكان التباين واضحاً. ونتيجة هذا التطور في فكر الأخوان أصدروا ثلاثة وثائق هامة بل الأهم في تاريخهم يوضحون فيها مواقفهم الإيجابي من قضايا هي في صميم الديمقراطية كالمواطنة ودحض العنف وضرورة إختيار الحكام عن طريق رضا المحكومين ومشاركة المرأة ومساواتها بالرجل وحقها في الممارسة السياسية. ولكن الإنتكاسة كانت في موقف السلطة من هذا التحول حيث قامت بحملة إعتقالات كبيرة وأعتقل الكثيرون عام 1995م.
ثالثاً : صدمة السودان:
يرى الباحث أن ثورة الإنقاذ العسكرية عام 1989م لعبت دوراً بارزاً في إعادة إنتاج الخلافات السابقة حيث وضعت الإسلاميين أمام خيار صعب إما بتأييد الإنقلاب العسكري أو معارضته وكلاهما يبحثان عن تفسير جديد لعلاقات القوى ودور الدولة والأسلوب السلمي في كسب الغالبية العظمى وترفض الجبهة الإسلامية القومية إتهامها بأنها وراء ذلك الانقلاب ، ولكنها وافقت على شروط الثورة للتعاون وحل جميع التنظيمات الحزبية والإندماج بمؤسسات الحكم. والخلاف بين الجبهة والأخوان المسلمين يرجع إلى إدراك د. حسن الترابي بخصوصية المجتمع السوداني وتركيبته الإجتماعية وأهمية دور الدولة الأساسي في توحيد مثل هذه المساحة الشاسعة القليلة السكان ورؤيته حول ضرورة تأسيس تيار معاصر يشق طريقه المختلف عن القوتين الإسلاميتين المركزيتين ، طائفة الأنصار (حزب الأمة ) والطائفة الختمية الميرغنية (الإتحاد الديمقراطي ) ويقوم على منهج الترابي بضرورة الدمج بين الأدلة النقلية والأدلة العقلية. ويلاحظ هنا أن مثل هذه الأفكار لم يكن من السهل زرعها في مجتمع إسلامي تقليدي متدين بالفطرة مما جعل الأحزاب التقليدية والقوى العلمانية وحتى الحركات الصوفية والحركة السلفية بالإضافة إلى تيار الأخوان المسلمين يقفون في صف واحد ضد ثورة الإنقاذ.
رابعاً : صدمة الجزائر:
الدولة في الجزائر قوية ومسيطرة على المجتمع وتختلف التجرية هنا عنها في السودان فالصراع هنا دمــوي. لقد كان هناك إختلاف واضح لدى القوى الإسلامية في الجزائر على فكرة الإنتخابات حتى قبل الانقلاب علىنتائجها فالجماعات المسلحة ترفض إضاعة الوقت مع النظام في حين أن حـــــزب النهضة الإسلامي الجزائري وحركة حماس الجزائرية يطالبان بالحد الأدنى من الديمقراطية بينا راهنت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على الديمقراطية وأدى إنقلاب السلطة على نتائج الإنتخابات إلى صدمة لها دويها الهائل في الوطن العربي بأكمله بين مؤيد لذلك الفعل ومستنكـــر لـــه ، ولكن الجماعات المسلحة واجهت إنقلاب الدولة على النتائج بعنف مضاد إستدرج فيه بعض إتجاهات جبهة الإنقاذ وأستبيح الدم الحرام بدون تأويل.
خامساً : تونس الضحية:
كان لما حدث في الجزائر أثره البالغ في إستكمال الدولة في تونس لمشروعها الإنقلابي على المجتمع بذريعة عدم التساهل الديمقراطي والحيلولة دون إنتقال العدوى إليها من الجزائر بالرغم من إعتراف حركة النهضة التونسية بضرورة إحترام رغبة الناس ورفضها لمصادرة الرأي الآخر وعلى منهج جديد للسياسية يعبر عنه راشد الغنوشي " بأنها عالم المعقول وليس علم الغيبيات ، هي العالم الموضوعي" . وبالرغم من ذلك كله أوغلت الدولة في سياستها القمعية ومصادرتها لخيارات الشعب وأتهم الغنوشي بالردة والعلمانية من قبل جماعات الجهاد.
سادساً : صدمة أوسلو:
أقرت حركة حماس الفسلطينية بإحترام التعددية حيث أملت الظروف عليها ذلك لإغتناء الساحة الفسلطينية بمختلف التيارات (خالد الحروب – في أحد كتبه عن حركة حماس) ورغم مخالفتها معارضتها لإتفاق أوسلو إلا أنها أعلنت أنها لن تستخدم العنف ودعت إلى تبني الحوار الوطني وقاطعت حماس وقوى فلسطينية إنتخابات عام 1996م فما كان من السلطة الفسلطينية إلا أن أستخدمت العنف والبطش والإعتقال . ولا شك أن سلطات الإحتلال الإسرائيلي كانت وراء ذلك بحجة أن حماس تقف ضد الإتفاق بين الطرفين.
سابعاً : صدمة أربكان 1996م:
أدرك أربكان زعيم حزب الرفاه ضرورة إعادة الحياة المدنية وضبطها تحت سقف الأتاتوركية بعد فوزه دون أن ينال أكثرية تمكنه من الحكم بمفرده ، وهو الأمر الذي سبب له كثير من الاحتجاجات والإنتقادات من قبل جماعات الجهاد وكذلك غضب العلمانيون لتصرف أربكان هذا وهو ما أفسد رهانهم بتدخل الجيش للتدخل لضبط الأمور وإعادتها تحت رقابة الدولة بعيداً عن تحولات المجتمع. ولكن أربكان كان يدرك أن الوقت الحالي هو وقت التسوية التاريخية لإنقاذ تركيا من الإنقسام ، وأدرك أن الحوار في مرحلة الإنتقال وهي مرحلة مركبة تلتقي فيها القوى التقليدية بالأنماط الحديثة ، ويمكن إعتبار تجربة أربكان بداية التأسيس للمجتمع السياسي الذي يركب وعيه التاريخي من عناصر مفككة وتؤكد كذلك على خطأ تصور النخبة ( الدولة المعاصرة) بأنها تستطيع بأسم التقدم والحداثة أن تحقق قفزات إجتماعية بمعزل عن الجماعات السياسية وهيئاتها ومنظومتها المتوارثة تقليدياً وعن حركة المجتمع والإعتبار لتوازنه الطبيعي.
الفصل الثاني : مخاوف وتحفظات من مشاركة التيار الإسلامي في التنافس الديمقراطي: (زياد أحمد بهاء الدين).
في هذه الورقة يقدم السيد زياد كما يشير عرضاً لآراء القطاعات الواسعة من الجماهير العربية بصرف النظر عن موقفها الإيماني في الدين الإسلامي كعقيدة إلا أنها ليست مؤيدة للتيار الإسلامي كقوة سياسية تنافس على الحكم. وتعرض هذه الورقة كذلك لمبررات السماح بتكوين أحزاب إسلامية وهي كما تراها القطاعات الواسعة من الجماهير العربية في أن جوهر الديمقراطية يعني تمكين الشعب من إختيار ممثليه وكذلك الإعتبار السياسي لثقل تيار المعارضة الإسلامية حيث هي القوة المتبقية في مواجهة السلطة. وكذلك مبرر عدم دفع أي تيار شعبي يحرم من التعبير عن ذاته إلى اللجوء إلى العنف أو العمل السري.
أولاً : المخاوف التي يثيرها إشتراك التيار الإسلامي في العمل السياسي:
وهي تتمحور حول خطورة الإدعاء بوجود ممثل وحيد للإسلام دون غيره وكذلك الخوف من لجوءها إلى العنف كخيار دائم كلما ضاقت السبل والإعتقاد كذلك لدى قطاع كبير من أن موقف التيار الإسلامي من الديمقراطية موقف إنتهازي للوصول إلى السلطة ومن ثم الانقلاب على غيره من التيارات وهناك أيضاً التباين بين الفكر والممارسة الواضح من موقف التيار الإسلامي من قضايا كقضية المرأة وحقوق الأقليات.
ثانياً : نحو موقف جديد:
تدعو الورقة إلى الوصول إلى حد أدنى من الإتفاق ، فلم يعد إستبعاد التيار الإسلامي مقبولاً ويجب أن لا تتحول التحفظات على إشتراكه إلى رفض تام وإنما مؤقتة حتى لا يتحقق للنظم الحاكمة ما تتمناه. وكذلك أهمية الوصول إلى صيغة تتفق فيها كافة القوى الوطنية تتضمن قبول التيار الإسلامي في مقابل إلتزامه بمواقف محددة ومقبولة وملزمة. ونظراً لعدم إعتماد هذا الفصل على المصادر الأكاديمية والإكتفاء بالتكلم عن رأى قطاعات كبيرة من الشعب العربي حيث يمكن إتصافه بالتعميم فقد قوبل بنقد في مواقف عديدة.
المناقشات:
سنركز هنا على المناقشات التي أضافت جديداً إلى موضوع الورقتين حيث تناول الحوار جوانب عديدة أثرت وواجهت بالنقد بعض ما قدمته الورقتين وكانت هذه المناقشات في فحواها تؤكد على أهمية التحدي الذي توجهه الأمة وضرورة إيجاد نوع من التوافق بين الإسلام والديمقراطية من خلال فهم أعم وأشمل لأنهما يلتقيان على الأقل في نبذ العنف وحقن الدماء والأخذ بالرأي الآخر ، ولعل أهم ما دار في هذه المناقشة الحوار الذي تم بين السيد محمد محمود (السودان – الولايات المتحدة) وراشد الغنوشي (بريطانيا- تونس) حينما تطرق السيد محمود إلى حقيقة ثابتة يعتقدها ويحاول الإسلاميون طمسها وهي مركزية العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية وإحتفاظ العلمانية بإستقلالها بحيث يمكن التقرير بان كل مجتمع ديمقراطي هو مجتمع علماني ولكن ليس كل مجتمع علماني هو بالضرورة مجتمع ديمقراطي لأن الديمقراطية تتأسس على حرية الفكر والإعتقاد وحرية العقيدة …إلخ ، ويؤكد على أنه لا بد من وجود أرضية ثقافية ديمقراطية وهو ما يتفق فيه مع محاوره راشد الغنوشي إلا أنه مرجعية بشرية في ظل الواقع التاريخي الذي نعيشه جميعاً كبشر ونتصارع فيه إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً وليس مرجعية دينية. ويؤكد على ضرورة التفريق بين الإسلام كقعيدة دينية وكثقافة حيث تحتمل الثقافة مالا تحتمله العقيدة فعلى مستوى الثقافة يحتمل الأمر أن يكون المسلم علمانيـــــاً في أن العقيدة لها حدودها الواضحة والصارمة كإقامة الحد على مرتكب الزنا وشارب الخمر في أن الثقافة الإسلامية تحتمل أن يكون المسلم شارباً للخمر أي أنه لا يخرج من دائرة الإسلام ، في حين أن الشيخ راشد الغنوشي (تونس / بريطانيا) يؤكد أنه لا يمكن للعالم العربي بالذات أن ينتقل إلى الديمقراطية ما لم يسلم بالمرجعية الإسلامية وبعد ذلك يمكـــن الإختلاف حول هذا الإسلام بغير هذا التسليم لا يمكن حصول الإنتقال الديمقراطي لأن الإسلام هو المكون الثقافي للأمة ويصحح مقولة الإستاذ محمد محمود حيث لا ديمقراطية بدون إسلام وليس لا ديمقراطية دون علمانية. وبدون الأرضية الثقافية المشتركة لا يمكن للمجتمع أن يستقر والتسليم بهذه المرجعية اليوم أمر مهم للنخبة حيث يعيد تواصلها مع الجماهير ويعمل على نزع سلطة رجال الدين ومثل هذا التسليم ينتج حضارة في إطار القاعدة الثقافية كما كانت المذاهب الإسلامية تنطلق من مرجع ديني واحد وكل يفسر هذه النصوص حسب نوع ثقافته فما الذي جعل شمال إفريقيا مالكية سنية ومنطقة أخرى شافعية …إلخ ، لم يكن ذلك بقرار من الدولة. وهنا يرى الإستاذ يوسف شويري (لبنان / بريطانيا ) أن الأمر يختلف عن ذلك لدى الغرب حيث أتفق هذا الغرب على قواعد اللعبة الديمقراطية فقط ولم تكن هناك أرضية ثقافية متفق عليها قبل قيام الديمقراطية في تلك المجتمعات.
في إتجاه آخر يعتقد السيد بشير نافع (فلسطين / بريطانيا) أن الدولة الحديثة في العالم الإسلامي مسكونة بالعنف منذ القرن التاسع عشر حيث بدأت عملية طويلة من ضرب قوى المجتمع المدني وتقويضها ويشبه هنا ما يؤكد راشد الغنوشي على خطورته عندما تمحى البنى التقليدية في المجتمع دونما وجود بديل آخر يزداد تسلط الدولة وطغيانها" ويتصور شويري أن قيام الحربين العالميتين هما نتيجتان لعصر التنوير بينما يرى محمد جابر الأنصاري (البحرين) أنهما بسبب هزيمة فكر التنوير لأن التنوير يدعو إلى التعامل العقلاني والسلمي. ويؤكد على معرفة القاع السيسولوجي للمجتمعات العربية لأنه العامل الحاسم في عملية الإنتقال الديمقراطي وليس السقف الأيديولوجي ويؤكد أن هذا القاع لدى هذه المجتمعات مضاد للديمقراطية نظراً لتركيبته العصبوية والأمر يتطلب جهوداً تتعدى النيات الطيبة والتنظير الجميل.
المصدر: الحوار المتمدين.
المواد المنشورة لا تعبر عن رأي موقع الجماعة العربية للديمقراطية وإنما عن رأي أصحابها
في الآخر فإنه لا مفر من العودة إلى الديموقراطية”.. بهذه الجملة انتهى النقاش الجانبي القصير مع أحد الزملاء على خلفية تعليقي الرافض لمسلمة “الحتمية الديموقراطية” التي استشعرتها من الورقة البحثية التي قدمها قبل أيام الزميل الباحث محمود المحمود في مركز الخليج لسياسات التنمية في الكويت و التي ألقت الضوء على ما يسميه المركز بـ”الخلل السياسي” في دول الخليج العربي. و لعل لاختياري الاستهلال بهذه الجملة غرض أبعد من ذلك الحديث الجانبي، حيث يبدو أن موقف هذا الزميل يعبر عن مسلمة معرفية سائدة في الأوساط الثقافية العربية. وقد يكون خير تجلي لهذه المسلمة المعرفية موجود فيما حذر منه المفكر العربي المشهور محمد عابد الجابريفي كتابه “الديمقراطية و حقوق الانسان“، من خطورة أي تصور سياسي يقع خارج مفهوم الديموقراطية. ويأتي تحذير الجابري من ذلك مستندا إلى فرضية معرفية تصنف التصورات السياسية إلى صنفين متضادين لا ثالث لهما، و في ذلك يقول: “ليس هناك من بديل للديمقراطية إلا الاستبداد والدكتاتورية. نعم، ليس هناك خيار ثالث.. هناك فقط إما عيوب الديمقراطية وإما عيوب الاستبداد والدكتاتورية.. وهذه الأخيرة لا تقبل التخفيف ولا تتساهل إلا بالتخلي عنها والجنوح إلى الديمقراطية.” ما يثير الاهتمام فعلا هو صدور هذا الموقف من مفكر كالجابري الذي يعد من أهم من اشتهروا بالتنبيه للخلل المعرفي في خطاب الإصلاح السياسي العربي و التحذير من التسليم بمسلماته المعرفية السائدة. لكن يبدوا أن يد النقد المعرفي للجابري ترفض التعرض لمسلمة الحتمية الديموقراطية بالقدر الذي يؤدي إلى نقضها ثم التحرر منها، بل تأتي آراءه في دائماً مؤكدةً لها في معرض التأكيد على ضرورة الاستجابة للتحديات الأخلاقية التي تطرحها فكرة الحداثة السياسية على المجتمعات العربية. و نعني بالتحديات الأخلاقية لفكرة الحداثة السياسية هنا تلك الأسئلة الفكرية المتعلقة بتعريف علاقة الحاكم و المحكوم. أو بعبارة أخرى، تلك الأسئلة التي تبحث منذ زمن طويل عن إجابات مقنعة فيما يتعلق بفكرة تأسيس الحكم وفقا لنظرية عقدية رضائية تكون الأساس الفلسفي و التأصيل التاريخي لشرعية النظام السياسي من جهة و لحقوق المواطنين في التمثيل و المشاركة و المحاسبة من جهة أخرى. ومسايراً لموقف الجابري يأتي كلام المفكر العربي محمد جابر الأنصاري، المشهور هو الآخر بنقده المعرفي لخطاب الإصلاح السياسي العربي، مؤكداً لاستثناء هذه المسلمة من النقض و مبرراً لحتميتها حيث يذكر في أحد لقاءاته التلفزيونية أنه:”كما قال تشرشل ليست [الديموقراطية] أفضل أنظمة الحكم ولكنها الأقل سوءاً”.
و في ظل المستجدات السياسية و الإشكالات الفكرية المنبثقة من نتائج الثورات العربية فإن التساؤل الذي يجب أن يطرح في معرض البحث في الخلل المعرفي لخطاب الاصلاح السياسي العربي الآن هو ذلك المتعلق بفحص صلاحية هذه المسلمة و كشف أسباب استمرار هيمنتها على بناء الهيكل المفاهيمي لخطاب الإصلاح السياسي. ولما كان أن هذا المبحث من الضخامة بمكان بحيث لا يمكن عرض جميع أوجهه في هذه المساحة، فسأخصص هذه التدوينة لعرض وجه واحد من أوجه هذا المبحث، وهو ذلك المتعلق بكشف أحد صور الممارسات الخطابية (Discursive Practices) التي يستخدمها خطاب الحتمية الديموقراطية لإعادة تكريس هيمنته و قمع فرص ظهور نماذج بديلة من خارج نموذجه المعرفي و روايته التاريخية. ويكون معنى الممارسات الخطابية هنا هو ذلك الذي يشير له صاحب المدرسة التحليلية لخطاب الهيمنة و القوة المفكر الفرنسي ميشيل فوكو باعتباره العمليات التواصلية (الموجهة نحو المخاطبين) و التي يحاول الخطاب من خلالها أن يشكل “الواقع” عن طريق سيطرته على مجال المفاهيم و اعادة انتاجها.
بداية، لعلنا نجد في الدراسات السيمائية للغة (أو علم الاشارات) (Semiology) ما يعيننا على الكشف عن هذه الممارسات الخطابية باستخدام النظرية التحليلية “للثنائيات المتضادة”. و يعود الفضل في تأسيس هذه النظرية لمؤسس الدراسات السيمائية ذاته السويسري فريديناند دي سوسير والذي يفترض أن وحدات اللغة تكتسب قيمتها و معناها فقط عندما تقترن بمفهوم آخر مضاد بحيث يعرف كل منهما الآخر بكونه ضدا له و لازما لتمام تصوره. فتكون الحياة هي المضاد المفاهيمي اللازم لفهم و تصور معنى الموت و النقاء كذلك بالنسبة للتلوث و البياض للسواد و الحزن للسعادة و هكذا. وما لبثت هذه النظرية طويلا حتى أن تلقفها قائد المدرسة التفكيكية جاك ديريدا لاستخدمها كأداة تحليلية فعالة لتقديم مشروعه النقدي الطامح لوضع كل المسلمات الفلسفية الغربية -منذ عهد أفلاطون- موضع الشك. فاستخدم هذه النظرية لمحاولة إبطال مفاهيم مركزية سائدة في الفلسفة الغربية تكتسب قيمتها و معناها من ثنائيات مترسخة في الخطاب الفلسفي كثنائيات (جسد/ روح، خير/ شر، جاد/ هازل). و يتركز اعتراض ديريدا في أن هذه الثنائيات دائما ما تفرز تراتبات وجودية، تحتم على طرف ما التموضعَ في موضع من الامتياز والفوقية، وتحتم على طرف أخر التموضع في موضع من التغييب والدونية والتهميش، وبذلك يُكَرس اقصاء و قمع هذا الطرف لحساب هيمنة الطرف الأول. وكان لفوكو أيضا اهتماما باستخدام هذه النظرية كأداة تحليلة، خصوصا في كتابه المراقبة والعقاب الذي أرخ فيه للأنظمة و المؤسسات العقابية في أوربا و لتطور مفاهيمها، حيث يؤكد في هذا الكتاب على أهمية هذه الثنائيات في الممارسات الخطابية التي يستخدمها الخطاب المهيمن لإعادة تكريس هيمتنه و فرض نموذجه على الأفق المعرفي للمجتمعات. ويصر بأنه عبر مثل هذه الثنائيات المتضادة في اللغة يقوم الخطاب بخلق تصنيفات تمايز بين ما هو “طبيعي” و مقبول وفقا لمفاهيم الخطاب المهيمن و بين ما هو “غير طبيعي” و يستوجب التجريم والعقاب وفقا لذات المفاهيم.
بتطبيق هذه النظرية على مسلمة الحتمية الديمقراطية كتصور ايديولوجي لمعطيات الواقع و حركة التاريخ يظهر ما يأتي: وفقا للمفكر البارز في مجال العلاقة بين الحداثة والفكر الإسلامي وائل حلاق فإن “نظرية التقدم” التي تجد أصولها في النموذج المعرفي الذي أنتجه عصر التنوير الغربي لا تشكل أساس النظر لحركة التاريخ في الخطاب الفكري المعاصر فحسب، بل تشكل الأساس للهيكل المفاهيمي للغة هذا الخطاب. ثم يضيف أنه يكاد لا يوجد فكرة أو نظرية تفوق قوة هذه النظرية في تشكيل مفاهيمنا الفكرية الحديثة. و تتلخص فكرة نظرية التقدم في افتراض حركة خطية لتقدم الجنس البشري نحو تحريره من الظلامية (جميع صور الظلامية وفقا لتصوره التاريخي سواء في المجال السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو التكنولوجي) لكن عندما تخرج هذه النظرية من نطاقها الغربي، كما فعلت في فكرة الاستعمار الأوربي و كما تفعل الآن من خلال فكرة عولمة مفاهيم الاصلاح و التمنية، فإنها تضع النموذج الغربي بكل صوره دائما في القيادة و تضع النماذج غير الغربية في نقاط أخرى على خط التقدم التاريخي نحو هذا النموذج. و من هذا المنطلق يكون خطاب الحتمية الديمقراطية هو الوجه السياسي لنظرية التقدم و روايتها التاريخية.
و إضافة إلى ذلك فإننا نجد أن الاستراتيجية اللغوية للحتمية الديموقراطية لتكريس الهيمنة على خطاب الاصلاح السياسي العربي تكمن في استخدام مصطلحات ذات غرض تصنيفي بمنطق المتضادات يقع على اثره أي (رأي، شخص، جماعة، حدث، ألخ) أما في خانة “التقدم” أو في خانة “التخلف” بالقياس إلى رواية الحتمية الديموقراطية لحركة التاريخ. و ينتج عن ذلك اعتبار أن تحقُق مفهوم الديموقراطية في نظام الحكم السياسي يعد شرطا طبيعيا وحتميا لتقدم المجتمعات البشرية نحو الحرية والخروج من غياهب التخلف و الظلامية السياسية.
و لتقديم مثال على ذلك، فيمكننا تطبيق هذه الملاحظات على قول الجابري المقتطف آنفا لنرى بأنه – رغم انتقاده الحاد لمركزية النموذج الغربي – يفشل في تحرير تصوره لمستقبل الاصلاح السياسي في الحالة العربية من سلطة الممارسات الخطابية التي تعيد تكريس هيمنة هذه المركزية، فنجده يستخدم ذات اللغة و ذات الثنائيات المتضادة ليؤكد حتمية نموذجها السياسي و يكرر فرضيتها الرئيسية بأن معالجة الخلل السياسي لا يتسنى إلا باستيفاء مفهوم الديموقراطية المحتم. لكن الأهم من ذلك بالنسبة لنا هو انطواء كلامه على تصنيف كل ما يخالف هذا الطرح باعتباره معولا للتخلف، أي معيقا لحركة التاريخ الحتمية نحو التحرر و سببا لاستمرار و تكريس المضاد المفاهيمي و هو “الاستبداد”. إذا فإن مصطلح “الاستبداد” كمضاد مفاهيمي يلعب دورا مهما للغاية لإعادة تكريس هذه الهيمنة وذلك باعتبار هذا المصطلح السلبي جامعا و لازما لكل ما يقع خارج نطاق مصطلح “الديمقراطية”. وهكذا ينجح خطاب الحتمية الديموقراطية من بناء متضادات مفاهيمية تؤدي إلى خلق ميل وجداني للعداء تجاه كل ما ينتفي عنه صفة نموذجها باعتباره “غير طبيعي” و غير مقبول بالنسبة لحركة التاريخ، و من هنا تكمن خطورة التسليم لهذه المسلمة. حيث يشكل التسليم لها في الواقع غلقا للأفق أمام أي فرصة لتطوير نموذج يحاول تقديم استجابة مقنعة للتحديات الأخلاقية الملحة للحداثة السياسية خارج إطار هذه المعادلة الثنائية.
يمكننا أن نضيف أيضا بأن خطاب الحتمية الديمقراطية لا يختلف في اسلوبه في الضغط على الضمير الأخلاقي للمثقف العربي عن ذلك الاسلوب الذي تستخدمه قوى الإسلام السياسي من خلال استخدامها لذات الممارسات الخطابية. فكما تستغل تلك القوى حالة الشعور العام بالتدين و ضرورة الدفاع عن الهوية الدينية لتهيمن اديولوجياً على الخطاب السياسي فيما يتعلق بذلك المشكل يستخدم خطاب الحتمية الديمقراطية الشعور العام بضرورة الاستجابة للتحديات الأخلاقية للحداثة السياسية لتكريس هيمنة نموذجه المعرفي على تصور كل ما يتعلق بمشكل الحداثة السياسية. و كما تستخدم هذه القوى الثنائيات المتضادة: “مؤمن” (أي في جانب الخير) لمن يقبل روايتها الايديولوجية لحركة التاريخ في مقابل “كافر” أو “ضال” (أي في جانب الشر) لخلق ضغط أخلاقي على لمن يخالفها فإن خطاب الحتمية الديمقراطية يمارس نفس الضغط الأخلاقي من خلال ثنائياته المتضادة ولكن دون أن يُطلق على ذلك مسمى “الإرهاب الفكري” كما هو الحال في عند الاسلاميين.
عموماً، فإن ما يمكن الخلاص إليه مما تقدم هنا هو أن قبول هذه الحتمية الديمقراطية يترتب عليه تشكل موقعين متمايزين للتفكير من حيث المساحة الممكنة للإبداع و حرية الفعل الفكري. الأول هو موقع القائد التاريخي و الذي يضع العقل الغربي دائما في موقع يستوجب بالضرورة مساحة كبيرة للابداع و حرية واسعة للفعل الفكري و ذلك للبحث الحر عن حلول غير مسبوقة لمشكلات “التقدم” الغير مسبوق (تلك المشكلات الفريدة من نوعها من حيث الجدة و الطبيعة) فيما يضع العقل غير الغربي -العربي في حالتنا – في موقع اللاحق، فينحصر أفق الابداع، بل و أفق الفهم التشخيصي، وفقا لذلك في مواجهة مشكلات “اللحاق” (تلك المشكلات المكررة من حيث نوعها و التي قد انتج لها حلول معيارية في “السابق”). و و نتيجة لذلك ينحصر الأفق المعرفي للعقل السياسي العربي فقط في نطاق الأسئلة المتعلقة بكيفية “التقدم”، أي اللحاق النموذج الغربي من هذا الموقع.
أخيرا يمكننا القول بأن الدارسين للخلل المعرفي لخطاب الاصلاح السياسي العربي مثل الجابري و الأنصاري قد أدركوا منذ عقود أهمية تحقيق “الاستقلال التاريخي” للمجتمعات العربية من ناحية معرفية، بعيدا عن الحتمية التاريخية للنموذج الغربي، باعتبار ذلك شرطاً ضرورياً لفتح الآفاق أمام العقل السياسي العربي لإبداع نموذج معرفي جديد و مستقل لتشخيص واقعه و تصور مستقبله بالنسبة لإشكال الاستجابة للتحديات الأخلاقية التي تطرحها فكرة الحداثة السياسية. بل و نجد أن كلاً من الجابري و الأنصاري قد أكدا على ضرورة انجاز ما يسميه غاشتون باشلار “بالقطيعة المعرفية” (Epistemological Rupture) من سلطة أي نموذج معرفي سابق كشرط لتحقق هذه الاستقلالية. بيد أنهم أخفقوا في ربط شرط القطيعة المعرفية بما تستلزمه منطقيا، أي بما يمكن تسميته بالقطيعة اللغوية، أي بضرورة تحرير اللغة المستخدمة في خطاب الإصلاح السياسي العربي من الهيكل المفاهيمي للثنائيات المتضادة المُكرِسة لمسلمة الحتمية الديموقراطية ومن مقاومة الضغط الأخلاقي الذي تمارسه خطابيا. بل كما رأينا فإنهم يرفضون التشكيك في ثنائية ديموقراطية/استبداد و يستمرون في التعامل مع مصطلح “الديمقراطية” باعتباره خيارا وحيدا ومحتما لابد أن تؤسس عليه أي فكرة للإصلاح السياسي.
أكثر ما أثار اهتمامي في (رؤية المملكة العربية السعودية 2030) هو تأكيدها أننا نستطيع التغيير، وأننا قادرون على صنع مستقبل أفضل من حاضرنا.
ركزت وثيقة الرؤية على الجانب الاقتصادي. وهناك بالطبع قضايا كثيرة تشكل أجزاء ضرورية لبرنامج التحول في معناه الشامل، أهمها في ظني أربع:
أ) ترسيخ سيادة القانون، وجعله سقفا فوق الجميع، وحاكما على الجميع من دون تمييز. هذا يعني بشكل محدد التقليص المنتظم للسلطات الشخصية لبعض الإداريين، وتمكين عامة الناس من الرجوع دوما إلى نصوص قانونية واضحة وثابتة. سيادة القانون وثباته عامل حيوي لتحفيز الاستثمار وتعزيز الأمل في المستقبل. تتطلع وثيقة الرؤية إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 5.7 في المائة واستثمارات القطاع الخاص إلى 65 في المائة من الناتج القومي الإجمالي. ونعلم أن هذا صعب التحقق من دون تخفيض معدلات المخاطرة، التي يتسبب فيها عدم استقرار القانون، أو عدم حاكميته على الميول الشخصية لدى بعض الإداريين.
الشفافية التي تمّ تأكيدها في وثيقة الرؤية ستجد معناه الكامل إذا ترسخت سيادة القانون. العلنية والشفافية تمكنان الناس من الحصول على المعلومات الضرورية للمنافسة العادلة، وهي بالتأكيد تساعدهم في كشف خيوط الفساد واستغلال السلطة. لكن مجرد توفر المعلومات لا يكفي لقيام منافسة عادلة. القانون القوي والمهيمن على الجميع هو الذي يحمي حقوق جميع الأطراف، أيًا كانت مراكزهم.
ب) مبدأ سيادة القانون يبدو أكثر ضرورة في المجتمعات التي تهيمن التقاليد على ثقافتها العامة ونظامها الاجتماعي، وقد رأينا هذا بوضوح فيما يخص النساء. إنني أتفهم ميل السياسيين إلى تأجيل الاستحقاقات المكلفة سياسيا، لكنني أخشى أن نتغافل عن مواجهة حقيقة أن أي مستقبل مختلف رهن بالتحرر من بعض التقاليد. إنني واثق بأننا نتطلع إلى يوم ننتهي فيه من هذا كله، كجزء من رؤية موسعة للتحرر من التقاليد المعيقة، وجعل القانون الواحد والعادل مرجعا وسقفا للجميع، رجالا ونساء.
ج) المفهوم الحديث للدولة ينظر إليها بوصفه جهة تخطيط وإدارة، هدفها مساعدة المجتمع في تحسين حياته. المجتمع هو العنصر الرئيس والمستهدف في كل السياسات والقوانين، لكن فكرة «التحكم» هي المهيمنة على ذهنية الأكثرية الساحقة من الإداريين، وفحواها أن كل شيء ممنوع ما لم يوافق عليه جهاز حكومي ما. هذا المفهوم العتيق أشد عوامل التعطيل أثرًا وأكثرها إساءة لعلاقة المواطنين مع الأجهزة الرسمية.
إنني أخشى جديًا من تعطيل المبادرات الخلاقة التي أعلنتها رؤية المملكة 2030، إذا لم نعالج تلك الذهنية العتيقة، إذا لم نرسخ مفهوم أن الأصل في كل شيء أنه مباح ومسموح ما لم يكن ثمة قانون ينظمه أو يمنعه. لهذا أدعو إلى التأكيد المكرر على هذا المبدأ، كي لا تتعطل مشروعات التطوير؛ لأن مديرا قصير النظر هنا أو ضيق الأفق هناك، لم يجد في أوراقه لائحة تقول: إن تلك المبادرة مسموحة أو مباحة.
د) أكدت وثيقة الرؤية تدعيم قنوات التواصل بين الأجهزة الحكومية والمواطنين، ومشاركة المجتمع في المسؤولية عن نفسه ومستقبله. دعونا نتقدم خطوة أخرى إلى المشاركة الشعبية المنظمة في الشأن العام ككل، في القرار السياسي والاقتصادي وكل شأن آخر يتعلق بمجموع الناس، حاضرهم ومستقبلهم. المشاركة الشعبية المنظمة من خلال المجالس المنتخبة، والمشاركة الشعبية من خلال منظمات المجتمع المدني وحرية التعبير المصونة بالقانون هي القناة الأوسع لتحمل الشعب المسؤولية الكاملة عن وطنه، وهي الأداة الفعالة لتعزيز قوة الدولة وتحسين كفاءة الخدمات العامة.
بلادنا قادرة بعون الله على مواجهة تحديات حاضرها وصناعة مستقبلها عبر التعاون الفعال بين المجتمع والدولة. وكل ما نحتاج إليه هو فتح قنوات المشاركة والتواصل. رؤية المملكة 2030 التي أعلنت يوم الاثنين المنصرم خطوة أولى كبيرة، نأمل أن تليها خطوات تعزز الأمل وتفتح أبواب المستقبل.
المصدر: ٢٧ أبريل ٢٠١٦، جريدة الشرق الأوسط
من إصدارات المركز
سياسات التوسع العقاري من منظور الخلل السكاني في دول مجلس التعاون - عمر هشام الشهابي
رؤى دول مجلس التعاون:
رؤية المملكة العربية السعودية 2030
رؤية البحرين الاقتصادية لعام 2030
الرؤى الاقتصادية لأبو ظبي 2030
الكويت: مشروع الخطة الإنمائية للسنوات 2015/2016 - 2019/2020
دراسات:
رؤية قطر واستراتيجيتها من منظور الإصلاح - علي خليفة الكواري
التوظيف العسير: تخطيط التنمية واتجاهات سوق العمالة في سلطنة عمان -كريستيل إينيس - رائد الجمالي
عودة على بدء.. استراتيجية للتنمية في إطار اتحاد دول مجلس التعاون - علي خليفة الكوّاري
النفط إلى أين؟: جاسم السعدون
مقالات:
خطة ماكينزي .. إلى أين نذهب؟ - سليمان الغامدي
الإصلاح الاقتصادي والخطط لا يمكن فرضها من أعلى - شفيق الغبرا
قصة التحوّل الآخر - إيمان القويفلي
قصة مفجعة عن تقرير أهمل - علي محمد فخرو
نعم نحن قادرون - توفيق السيف
للمزيد حول الاقتصاد والتنمية.. اضغط هنا
الأفكار الواردة في الأوراق والمداخلات والتعقيبات لا تعبر عن رأي الموقع وإنما عن رأي أصحابها
في فترة ما قبل الثورة، ولأسباب لها علاقة باختلاف الأساليب، وعدم التوافق على النّهج الاحتجاجي الذي يُعوّل على الحضور في الميادين، وتجاوز اللّغة الرّسميّة؛ فقد اعتلت موجة من الاختلاف (الحاد) بين الحركات الاحتجاجيّة في البحرين وبين الجمعيّات السّياسيّة المعارضة، وقد حافظت الأخيرة على تمايزها مع الواجهات الاحتجاجيّة في الشّارع، ولجأت أحيانا إلى رفع الغطاء "السياسي" عنها، وهو ما ولّد اختلافاتٍ حادة، انتقلت إلى جمهور الأفرقاء.
شاهد المرفقات
__________
المصدر: منتدى البدائل العربي
الموقع غير مسؤول عن محتوى المواقع الخارجية
المواد المنشورة لا تعبر عن رأي الجماعة العربية للديمقراطية وإنما عن رأي أصحابها
ساد خلال الأسابيع القليلة الماضية الترقب لتغييرات اقتصادية هيلكية تعتزم دول مجلس التعاون الخليجي القيام بها تشمل خصخصة ورفع للدعم عن الطاقة والسلع وفرض ضرائب. يأتي هذا بعد أن تناقلت وسائل الإعلام الأجنبية تسريبات أو تصريحات عن نية صناع القرار في دول المجلس اتخاذ هذا المسار على خلفية انهيار أسعار النفط التي وصلت إلى ما دون الأربعين دولار للبرميل مطلع الشهر. كان من أبرز هذه التقارير مقالة الصحفي توماس فريدمان في نيويورك تايمز “رسالة من السعودية” ينقل فيها عن مسؤوليين سعوديين رفيعي المستوى حديثاً عن طموحات لإصلاحات اقتصادية و-في ذات السياق- فتح الباب لمشاركة سياسية أوسع.
وبالفعل ، عكست ميزانيات الحكومات للسنة الجديدة شيئا مما تم تداوله تمثل في خفض للدعم الحكومي ، ولم يخلو تناول رفع الدعم هذا من التساؤل حول الأبعاد السياسية التي بلغ إلى أن وصفتها الفاينانشال تايمز بـ”الإصلاح الجذري للعقد الإجتماعي بين المواطنين والأسرة الحاكمة” ، فقد اكتسبت مناقشة أي أثار سياسية محتملة لهذا المسار من السياسيات الاقتصادية حضورا ملحاً. تحديدا في السؤال الذي يطرحه البعض: هل ستدفع خطوة مثل فرض ضرائب إلى مشاركة سياسية وتحول جوهري في الأنظمة السياسية في الخليج؟ في ٢٠٠٩ ذات الصحفي توماس فريدمان أجاب على السؤال بشكل قطعي في مقال عنون بـ”القانون الأول للسياسة البترولية” أن “سعر النفط والخطو نحو الحرية يسيران دائما في اتجاهين معاكسين في الدول البترولية” ، المقال المليء بالأحكام الجاهزة يعبر عن تصور سائد يتبع المقولة الكلاسيكية “لا ضرائب من غير تمثيل” في صيغتها المقلوبة بشكل حرفي.
هل هناك علاقة بين مستوى الثروة النفطية المتوفرة لدولة ما وبين النظام السياسي لها؟ في البحث عن اجابة أكثر دقة لهذا السؤال نجد كما كبيرا من الدراسات المتراكمة التي حاولت استخدام أدوات منهجية لقياس وفهم هذه العلاقة المفترضة تأتي ضمن أدبيات ما يعرف ب”لعنة الموارد” في الإشارة إلى أن الثروة الناتجة من الموارد الطبيعية القابلة للتصدير كالمعادن والنفط وغيرها لها آثار مدمرة على الاقتصاد والنظام السياسي للدولة فهي تعيق القدرة على تطوير اقتصاد انتاجي وتشجع الاستبداد والفساد بالإضافة إلى ارتباط وفرتها بالحروب الأهلية. لم تخرج الدراسات التي تناولت النفط في الشرق الأوسط عن هذه الثيمة السلبية غير أنها طورت مفهموما مهماً يشرح الارتباط بين الثروة النفطية وعلاقة الدولة بالمجتمع يعرف ب”نظرية الدولة الريعية.”
في سبعينات وثمانينات القرن الماضي وضع كل من حسين مهدوي و حازم ببلاوي وجياكومو لوتشياني الإطار الكلاسيكي لمصطلح الدولة الريعية. السمة المركزية لهذه الدولة هي أنها مستقلة بشكل تام عن المجتمع ؛ فالموارد التي تحصل عليها من الريع الخارجي (ايرادات النفط) تجعلها مستغنية عن تحصيل أي موارد (على شكل ضرائب) ممن تحكمهم ، علاوة على ذلك تمكنها هذه الموارد الخارجية من تأمين ولاء المحكومين عبر الإنفاق العام فهي ليست دولة إنتاج بل مجرد دولة توزيع حصص. يؤكد الواضعون الأوائل للفكرة أنه في دولة مثل هذه محصنة تماما من أي مساومات سياسية مع رعاياها يستحيل تماما ظهور الديموقراطية. المزيد من الثروة النفطية يعني مشاركة سياسية أقل؛ الأطروحة التي دعمها لاحقا عالم السياسة مايكل روس عبر مسح كمي شمل ١١٣ دولة ، حيث وجد اقتران سلبي بين مستوى الثروة النفطية وبين مستوى الدمقرطة عبر ثلاث ارتباطات سببية: وفرة النفط لدى الدولة يدفعها لفرض ضرائب أقل ولانفاق أعلى على قدراتها العسكرية وبالتالي قابلية أعلى على الاستبداد بالإضافة إلى أن الإقتصاد الريعي يخفض معدلات توظيف المواطنين في القطاعات الصناعية والخدمية وبالتالي احتمالية أقل لمشاركتهم في الدفع باتجاه الديموقراطية ، ليقرر روس في خاتمة بحثه أن “النفط بالفعل يضر الديموقراطية” أينما وجد.
غير أن هذه النظرة الحتمية لعلاقة الثروة النفطية بالمشاركة السياسية لم تصمد كثيراً أمام نقودات متنوعة سعت بشكل أساسي لتطوير النظرية لا لنقضها. النظرية في ثوبها الكلاسيكي ، كما تجادل هذه المجموعة من الباحثين ، تختزل تعقيد الواقع السياسي إلى علاقة سببية بسيطة تحتم ظهور نظام سياسي محدد تبعاً لمستوى معين من الصادرات النفطية. مايكل هيرب قام بإعادة تصميم المسح الكمي الذي أجراه روس مع الأخذ في الحسبان المستوى التنموي للدول النفطية فيما لو استثني دخل النفط في النموذج الإحصائي ليجد أن غياب المشاركة السياسية يمكن أن يفسر بشكل أفضل بالعامل التنموي في حين يتضاءل أثر عامل الثروة النفطية. غير أن هيرب لا يخلص إلى رفض أطروحة نظرية الدولة الريعية بل إلى ملاحظة أن تأثير الموارد النفطية على شكل النظام السياسي غير متسق وغير دائم الحدوث ، ولذلك ينبغي النظر إلى دروه عبر تفاعله مع عوامل مختلفة تحكم تأثيره من حالة إلى أخرى.
باحثان آخران يضيفان المزيد من الشكوك في العلاقة بين دخل النفط والاستبداد ، حيث وجد ويمنق لوي وباول مسقرايف أنه باستثناء دول الخليج فإن الارتباط الاحصائي بين الوفرة النفطية والاستبداد محدود ، فلم ينطبق على سبيل المثال نموذج أنصار نظرية الدولة الريعية على نيجيريا بينما بدت حالة نيكاراغوا أكثر ديمقراطية من توقعات نموذجهم. محاولات احصائية حديثة أخرى ذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ وجد عالما السياسة ستيفن هابر وفيكتور مينالدو أن اعتماد الدولة على مورد طبيعي لا علاقة له بالاستبداد على المدى البعيد ، ففي دراستهم لـ ٥٢ دولة تعتمد على مورد طبيعي -من ضمنها الدول النفطية- على مدى تاريخي أوسع مما تضمنته الدراسات السابقة وجد الباحثان أن الاعتماد على مورد طبيعي يقود الأقلية فقط من الدول إلى المزيد من الاستبداد بينما لا تأثير له في أغلب الحالات. المفاجيء أكثر هو أنهم لاحظوا أن قطاع من الحالات المدروسة عكس علاقة ايجابية بين توافر الثروة الريعية وبين اتجاه النظام إلى الديمقراطية. النتيجة ذاتها التي سبق لثاد داننق الإشارة إليها فيما يخص حالتي تشيلي وفنزويلا في كتابه “الديموقراطية الخام” ، إذ يبين فيه أن أثر النفط على النظام السياسي يتراوح مابين الإيجابي والسلبي (باعتبار أن الديمقراطية هي المعيار هنا) حسب عوامل وسيطة تحدد هذا الأثر.
البحث عن هذه العوامل الوسيطة التي تحدد أثر الثروة النفطية على النظام السياسي هو ما قامت به عدد من الدراسات التي تناولت حالات معينة بشكل متعمق. من أهم هذه المحاولات النقدية لفهم تعقيد أثر النفط هي تلك التي تأخذ في عين الإعتبار السياق التاريخي الأوسع لحالات الدول كل على حدة. التاريخ ، بالنسبة لأصحاب النظرية الريعية الكلاسيكية ، يبدأ من ظهور النفط ، كل ما سبق ذلك غير ذي علاقة. عدد من الدراسات أظهر الدور الكبير الذي يلعبه تاريخ ما قبل النفط في تحديد أثر البترودولار على الواقع السياسي. على سبيل المثال ، تتبعت جيل كريستال علاقات تاريخية متباينة بين تحالفات النخب ساهم النفط في تشكيلها في كل من الكويت وقطر لتفسر الإختلاف في النظام السياسي. وبشكل مشابه أبرز مايكل هيرب مفارقة أن المشاركة السياسية في الحالة الكويتية دعمت الإعتماد على النفط مقابل تنويع الإقتصاد ، فيما ظلت الإمارات ذات الاقتصاد المتنوع نسبيا دون أي مشاركة سياسية. يفسر هيرب ذلك بغياب التمايز والصراع بين طبقة رأسماليين وطبقة عمال عادة ما ترتبط بظهور الديموقراطية الرأسمالية ، فالعلاقة إذن بين الثروة النفطية والمشاركة السياسية ليست مباشرة إنما تعبر خلال التكوين الطبقي للمجتمع.
لم تكتف هذه المحاولات بنقد الفهم السائد لعلاقة النفط بالاستبداد من خلال إبراز الفروقات بين حالتين مختلفتين بل بالكشف عن النتائج المتناقضة التي يخلقها الاعتماد على النفط في الحالة الواحدة ، كالدور الغير متوقع الذي تلعبه الثروة النفطية كمورد للمعارضة السياسية ، وهو ما بينته جوين أكرولك في الحالة السعودية ، إذ استخدمت الحركة الإسلامية المعروفة ب”الصحوة” في الثمانينات مؤسسات عامة لبناء حركة سياسية عريضة تصدر قطاع منها للإحتجاج السياسي المباشر في تسعينات القرن الماضي. نظرية الدولة الريعية الكلاسيكية حسب أكرولك تتعامى تماما عن خيارات الفاعلين المتلقين للريع الموزع وتفترض سلوك موحد ومحدد مسبقاً خلال معطيات اقتصادية صرفة. هذا السلوك الموحد المفترض انتُقِد أيضا على مستوى أداء المؤسسات في أحد أهم الدراسات التي تكشف تناقض وتعقيد أثر الثروة النفطية ، حيث يجادل ستيفن هيرتوغ في دراسته للحالة السعودية أن النفط لا يستوجب مؤسسات عامة فاشلة -كما تتنبأ نظرية الدولة الريعية- بل يعبر تأثيره خلال شبكات من النفوذ تقود إلى جزر معزولة من المؤسسات ذات الكفاءة إلى جانب مؤسسات اخرى مخفقة. الطفرة النفطية في نموذجه هذا لا تعمل في الفراغ ولا تقوم بخلق نظام محدد ، إنما تتفاعل مع البنى الموجودة لتعطينا نتائج متباينة في واقع معقد.
ما الذي تقوله هذه الدراسات في الإجابة عن السؤال المطروح هنا؟ أنها لا تعطنا جوابا موحدا عن دور سببي آلي لأسعار النفط في وجود مشاركة سياسية من عدمه. إنها تأخذنا بعيداً عن الصيغة التبسيطية التي اتسمت بها نظرية الدولة الريعية في شكلها الأوليّ والتي يبشر من خلالها البعض باستنتاجات كبرى كعقد اجتماعي جديد ينتظر دول المجلس. إن التغير الحاد في أسعار النفط -كما يتفق هذا الطيف من الدراسات التي لا زالت تقر بدور ما يلعبه هذا المورد الطبيعي في بنية الدول وسياساتها- سيكون لها تأثير مهم. غير أن هذا التأثير سيفهم بشكل أفضل باستحضار عوامل متعددة كالتاريخ السياسي الخاص بكل حالة ووجود حركة اجتماعية نشطة من عدمه أو التكوين الطبقي وتحالفات النخب في اللحظة الراهنة. الإستنتاجات الإقتصادية الحتمية كتلك التي أصدرها فريدمان قد تقودنا إلى تقييمات وأحكام غير دقيقة ببساطة أنها تأخذ أبصارنا إلى نموذج نظري مرتب وجذاب بعيداً عن معطيات الواقع المتشابكة.
المصدر: مدونة أعواد قش، 1 يناير 2016
المواد المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الجماعة العربية للديمقراطية وإنما عن رأي أصحابها
في خضم الصراع الإقليمي والدولي حول الشرق العربي، يبقى السؤال الأساسي، ودون التقليل من أهمية كل الأسئلة الاخرى، مرتبطا بقضية الحقوق الأساسية للفرد وللجماعة في العمل السياسي. إن مشهد الموت المنتشر في حروب ونزاعات لن يكون لها نهاية قريبة يحتم علينا أو على بعضنا ان يطرح هذا البعد الذي بدونه لن يتأسس مشهد العرب القادم. لن تحقق منطقتنا نجاحات حقيقية في جبهة عسكرية أو حربية من اليمن إلى سوريا دون النظر لمدى خطورة أن يكون الوضع العربي في معظم حالاته خالياً من العمق الحقوقي والمؤسسي التنموي والسياسي.
نحن بحاجة لمراجعة، لسياسات التميز ولمأزق الحقوق والحريات السائد في الدول العربية. بلا هذه المراجعة فإننا سائرون نحو حروب أكثر فتكا. الحروب في منطقتنا التي قد تنجح في إضعاف فئات وتيارات ودول هي نفسها التي تصنع مقاتلي الغد. وطالما لم تصل لنخبنا الصيغ الأكثر التزاما بالحقوق والحريات والاٍقتصاد المتوازن والتنمية ودور الثقافة الديمقراطية والعدالة في نشر السلم في المجتمع بما يتضمن الإشراك لقواعد المجتمع سنبقى في نزاع مع أنفسنا أولا ومع الاجيال الصاعدة على كل صعيد.
النموذج العربي، حتى اللحظة، مختلف عن النماذج التي تطورت في العالم وذلك لأنه أحادي التوجه يتعامل مع ما يحيط به من الأعلى بمعزل عن المجتمع. لسان حال النموذج العربي الرسمي: «التاريخ تصنعه النخب ولا دور للشعوب والجماهير في تلك الصناعة». إن النموذج العربي الراهن يتمسك بتحويل السلطة لحالة فردية. الفردية في النظام السياسي قد تنجح في حالات على المدى القصير والمتوسط ولكنها تتحول لمأزق كبير على المدى البعيد. فالفترات الطويلة من الحكم الفردي غير المساءلة كفيلة بتكليس السياسة وتدمير الاقتصاد وتعميق الجمود ونشر الفساد.
النظام السياسي الفردي والذي لا يخضع لآليات ديمقراطية يصيب كما يخطئ، لكنه وبسبب عدم المساءلة ، نجده غير مضطر لأخذ توازنات المجتمع بعين الاعتبار، إنه غير مضطر لمراجعة وضع الفئات المتضررة مصالحها من جراء سياساته، إنه يتصرف بحرية وكثيرا بقساوة و بمعزل عن هذا النصف أو ذا الربع من المجتمع في كل شأن اقتصادي وحقوقي وسياسي في الحرب كما هو في السلم. لا يوجد لدى الأنظمة غير المساءلة كوابح كافية لوقف الأخطاء التي قد تكون مدمرة و لمناقشة صنع القرار قبل ان يستفحل.
ان كل الأنظمة السياسية في الشرق والغرب هي أنظمة أقليات، ففي النظام الديمقراطي ينتخب الناخب اقلية من الأفراد للقيادة، وفي النظام غير الديمقراطي تأتي للحكم أقلية من الأفراد بواسطة شرعية تاريخية أسرية او انقلاب عسكري أو انتقال سلطة من فرد لآخر. تلك الأقلية هي الاخرى بإمكانها أن تنظم الدولة والسلطة بنجاح. لكن الفارق الحقيقي بين النظام الديمقراطي وغير الديمقراطي مرتبط بكون الأقلية الحاكمة في النظام الديمقراطي تعلم جيدا ان لسلطتها حدوداً، لهذا تجدها في معظم الحالات أكثر تمهلا ومرونة في صنع القرار، واكثر استعدادا لأخذ آراء المعارضين بعين الاعتبار بما في ذلك امكانية استخدام بعض من تلك التصورات في سياساتها العامة.
إن الجانب الذي يميز النظام الديمقراطي، الذي يخطئ كما يصيب، مرتبط بعقلانيته في تناول مسائل الخلاف وكونه أقل اندفاعا وقساوة واكثر قدرة على تصحيح الخطأ بعد الوقوع فيه. إن حرص الديمقراطية على اتجاهات الرأي العام واعادة الإنتخاب وخضوعها بشكل واضح لفصل السلطات (لا تملك كل الاوراق) يلعب دوره في احترام تعددية الآراء والمدارس في المجتمع. هناك في الحالة الديمقراطية حياة سياسية تفاعلية، تختلف تلك الحالة عن النظام غير الديمقراطي الذي يخلو في معظم الحالات من الحياة السياسية بين أحزاب وتيارات وصحافة وإعلام. في الجوهر تبقى الانظمة غير الديمقراطية صناديق سوداء في الحرب كما هي في السلم، ومن الصعب معرفة مضامينها قبل فوات الأوان.
المصدر: الوطن القطرية، 28 فبراير 2016
المواد المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الجماعة العربية للديمقراطية وإنما عن رأي أصحابها
المزيد...
- المؤلف: ستيفان لاكرو
- الترجمة: عبد الحق الزمّوري
- عدد الصفحات : 363
- الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر, السعودية
- الطبعة: الأولى 2012
الكتاب قدم لمحة تاريخية عن ولادة المملكة العربية السعودية وتطورها، وتحليل الإجابة على أحد أهم الأسئلة وهو: كيف انتقل الناشطون الإسلاميون من البلدان العربية ليستقروا في السعودية وينخرطوا في حركة جمعت بين السياسة من جهة والدين من جهة أخرى، وأطلقت على نفسها اسم "الصحوة"؟.
وتابع مراحل تشكل الصحوة وروافدها الفكرية والسياسية، وأبرز محطاتها وحركاتها، ورموزها وانقساماتها، وعلاقتها المتفاوتة بالسلطة السياسية. وتتبع خلالها عشرات المصادر والوثائق، وأجرى عشرات الحوارات مع شخصيات فاعلة في وسط الصحوة.
دراسة لاكروا الجديدة ليست الأخيرة، فقد سبق أن قدم رسالة علمية بعنوان "الإسلاميون السعوديون.. تمرد فاشل" نشرت بالفرنسية عام 2010 وترجمت إلى اللغة الإنجليزية تحت عنوان "صحوة الإسلام.. مناورات المعارضة الدينية في السعودية المعاصرة".
ما يحسب للكتاب أنه بحث أكاديمي موسّع يدرس تاريخ وبنية الحركات الإسلامية في السعودية، إضافة إلى استناد الدراسة بالأساس إلى عمل ميداني استقصائي قام به الباحث في الفترة من يونيو/حزيران 2003 وحتى مايو/أيار 2007، معظمها في السعودية بالأساس، وزيارات مساندة لبعض الدول العربية والأوروبية للالتقاء بشخصيات لها علاقة مباشرة بالتجربة الإسلامية السعودية.
تأسيس المصادر
ما استطاع لاكروا تحقيقه في هذا الكتاب هو الكم الكبير من المعلومات والذي وصفته إحدى المدونات (على عتبة عدن) "بأنه أصل لتاريخ حركات قلبت كثيرا من المفاهيم وأيقظت عديدا من القلوب النائمة وحركت المياه التي ملت من ركودها، ورغم أن الكتاب رسالة دكتواره بالأصل فإنه كتاب ممتع وشيق وكأنك تقرأ رواية بمغامرات شخصياتها وتراقب انتصاراتهم المؤقتة وخيباتهم العريضة".
في الوسط المحلي السعودي خرجت العديد من الأطروحات التي ناقشت تاريخ الصحوة الإسلامية، إلا أنها ظلت حبيسة اتجاهات فكرية محددة، أو رؤى لأحداث غير متسلسة اعتمدت بالأساس على التأطيرات النظرية الشخصية، وهو ما يمكن ملاحظته في أطروحات أشخاص كانوا منتسبين في مرحلة سابقة لإحدى المجموعات الإسلامية في الساحة المحلية.
أما المصادر التي بني عليها الكتاب فهي تحمل دلالات مهمة في سردية مضامينه والتي تتجلى في صدر صفحاتها الأولى وهي قرابة خمسين مقابلة مسهبة مع مشاركين ينتمون إلى الحركة الإسلامية السعودية السنية بتياراتها المتنوعة، إلا أن لاكروا حاول إعطاء صورة -وإن كانت بشكل مبطن- أنه اعتمد قبل إجراء مقابلاته مع النشطاء الإسلاميين على شبكة علاقات يمكن الاعتماد عليها لتدبير الاجتماع مع الناشط المعني الذي غالباً ما يعرض عن المقابلة إذا لم تتم بواسطة أحد الأتباع.
وحيال الفقرة السابقة يقول لاكروا "في سياق التطلع إلى الاجتماع بالشخصيات الإسلامية البارزة، تعرفت إلى عدة شباب، بعضهم أعضاء أو أعضاء سابقون في الجماعات التي تمثل شبكات منظمة تشكل عماد الحركة الإسلامية، وتبين لي أنهم كانوا أكثر من مجرد وسطاء بيني وبين القيادات، وأنهم مصادر غنية جداً في حد ذاتهم، وبفضل مساعدتهم استطعت استيعاب أطياف الحركة وتكوين صورة إجمالية عنها".
رؤى نقدية للكتاب
استقبال المشهد المحلي -وخاصة المجموعات الإسلامية الناشطة- للكتاب، يعد هو الآخر مفصلا يحتاج إلى تسليط الضوء عليه، فعقب إصداره عقدت صالونات ثقافية نقدية لعدد من الرموز الصحوية التي أورد الباحث اسمها في بعض تفاصيله.
في جدة مثلا أثنى الداعية الإسلامي الدكتور سلمان بن فهد العودة الذي جاء ذكره في الكتاب مرات عديدة، على الجهد الكبير في جمع المعلومات، إلا أنه قدم حزمة من الرؤى النقدية للكتاب، أبرزها خلط الباحث لاكروا بين المعلومة والتحليل، وهو ما لاحظه العودة في جزء غير قليل من مضامين الكتاب.
والأمر النقدي الآخر بالنسبة للعودة يتعلق بمنهجية الكتاب التي قصد بها التحليل المفرط للأحداث، وغياب العفوية التي يتسم بها المجتمع السعودي في كثير من تفاصيل حياته واتجاهاته، قائلا إن "لاكروا لم يدرك ذلك بشكل جيد".
نقد آخر رآه العودة عند استعراض قراءته النقدية وهو مسألة نقص المعلومات أو عدم ذكرها بشكل كامل، وعدم الإفصاح عن كثير من مصادره، واعتماده على مفردة "قال مصدر صحوي سابق". وهنا يقول العودة في سياق متصل إن "اعتماده على المصادر الشبابية -كما ذكر في صدر الصفحات الأولى- كان جزءا رئيسيا من وصول المعلومات بشكل جزئي وناقصة، لأن هناك معلومات تعرف القيادات تفاصيلها بشكل عميق".
نقطة أخرى ركز عليها العودة في سياق منهجية الباحث، وهي أن الأخير "لم يركز على الخطين المتوازين في المجتمع في بناء إطارات تحليلاته، إذ يوجد خط يمارس انفتاحاً غير مدروس، ويقابله خط يمارس تشدداً أخلاقياً تجاه الانفتاح غير المدروس".
المفكر السعودي الدكتور عبد الله الغذامي وصف الكتاب بقوله إن المؤلف "اشتغل بعضلاته لا بعقله"، في إشارة إلى الجهد الكبير الذي عمد إليه لاكروا في جمع المعلومات، لكنه دون أن يضيف رؤيته التحليلية الخاصة في هذا المفصل البحثي المهم.
تقطيع المجتمع
يمكن ملاحظة أن المنهجية المحددة للكاتب قامت على الوصول إلى النتائج المحددة، وهي الفكرة التي بنى عليها منهجيته والتي وردت في الصفحة 37 تحت عنوان "نظام اجتماعي سياسي مقطع"، أي أن ميدان السلطة في السعودية مقطع، بمعنى أنه مؤلف من مجموعة مجالات تتمتع باستقلالية واسعة في الظاهر، ويمكن عزو هذا التقطيع إلى عوامل عديدة نتجت عن الاتفاق الأول في تقاسم السلطة الذي أوجد المجالين السياسي والديني، وقال لاكروا "إن التقطيع إستراتيجية مقصودة للنظام".
ويضيف "تمت تجزئة الفضاء الاجتماعي إلى فئات اجتماعية مختلفة استحدثت من العدم عندما اقتضت الضرورة ذلك، وإحاطة كل منها بحيز اجتماعي منفصل يتمتع باستقلالية معينة ضمن إطار القواعد التي أرستها السلطات، وهي شائعة في النظم الفئوية".
ويرى لاكروا أن السلطات السعودية نجحت في صناعة رموز لهذه المجالات المختلفة: قطاع العلماء، وقطاع المثقفين، وقطاع التجار، وقطاع الإعلام.. إلخ، عبر عقد صفقات مادية (أعطيات) وأخرى معنوية بالتكريم والتبجيل، وهدف ذلك تقطيع المجتمع السياسي، لصعوبة توسيع إطار عمليات التعبئة التي تبدأ من أحد قطاعات ميدان السلطة في البداية لتتجاوز حدوده وتعم المجتمع ككل، وهذا ما توضحه المحاولات الفاشلة التي قام بها المفتي محمد إبراهيم لمعارضة سياسة التحديث التي كانت السلطات السياسية في طور تنفيذها.
فهم دلالات هذا المنهج السياسي في التقطيع ونجاحه يتضح بشكل أساسي في الإجهاز على ما سمي حينها "انتفاضة بريدة" يوم 14 سبتمبر/أيلول 1994، والتي يراها لاكروا دليلا على فشل الاحتجاج الصحوي في تعبئة شرائح المجتمع، فبعد تعبئة دامت عشرات السنين وبعد العديد من المطالبات والبيانات ورفع سقف الطموحات لدى الشعب السعودي، كان مصيرها السقوط المريع في هاوية الفشل أمام أهم تحدّ خاضته ضد الحكومة السعودية، بل هو التحدي الأساسي.. يقول لاكرو: كان رجال الصحوة ثوارا بلا قضية، حتى أتت حرب الخليج فوجدوا قضيتهم.
التقسيمات الحركية الداخلية
اجتهد المؤلف في عمل خارطة الحركات الإسلامية (الصحوة) التي تظل -حسب الواقع الاجتماعي- محل نظر، وقسمها إلى خمسة أعمدة: أربع جماعات من الإخوان والجماعة السرورية. ومعظم الدراسات تشير إلى أن مناع القطان هو أول من أسس جماعة للإخوان المسلمين في السعودية، وأنه صاحب اليد المباشرة في تأسيس الجماعة.
ويشير الكتاب إلى أن في السعودية أربع جماعات للإخوان لم تتمكن من التوحد أبدا لكنها تقاربت كثيرا، وهي: جماعة إخوان "الصليفيح" التي تأسست بعدها جماعة "إخوان الفنيسان"، وهو سعود الفنيسان الذي كان سابقاً عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام، ثم جماعة "إخوان الزبير" نسبة إلى البلدة المشهورة، وكان المعارض السعودي سعد الفقيه أحد أبرز رجالاتها. وأما الأخيرة فهي جماعة الإخوان في الحجاز، وبعض الروايات تؤكد أن محمد عمر زبير -وهو سعودي أصبح مديرا لجامعة الملك عبد العزيز- صاحب الدور البارز في تأسيسها، إذ استقطب كثيرا من وجوه الإخوان المسلمين الشهيرة للتدريس في جامعته، ويشار في العادة إلى عوض القرني وسعيد الغامدي على أنهما أبرز وجوه "إخوان الحجاز".
واستطاع إخوان الحجاز السيطرة على الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وهي الندوة التي أسسها حمد الصليفيح نفسه وأصبحت أحد أهم منظمات التجنيد لدى إخوان الحجاز، بل إن أحد الشخصيات الإسلامية يقول إنه كان ينتمي إلى جماعة إخوان أخرى غير جماعة إخوان الحجاز، وكان حاصلا على منصب رفيع في الجمعية، لكنه أرغم على الاستقالة من طرف إخوان الحجاز.
وسواء تم الاتفاق أو الاختلاف مع مضمون ما ورد في الكتاب، فإنه فتح شهية العديد من الباحثين الصحويين لإخراج أبحاث معرفية معمقة من رحم الصحوة الإسلامية، تسجل تاريخها بنفسها ولكن بعيداً عن الاستقطاب الأيدولوجي.
المصدر: موقع الجزيرة
تشارلز تيلي: صناعة الحرب وبناء الدولة بوصفها جريمة منظمة
ترجمة: أحمد العوفي. مراجعة: لجين اليماني.
تحذير
إذا كان جني الاتاوات بالبلطجة (protection rackets) يعد أنعم أشكال الجريمة المنظمة فإن صناعة الحروب وبناء الدول -والتي تقوم بنفس النشاط متحصنة بمزية الشرعية- يجوز اعتبارهما أهم الأمثلة على الجريمة المنظمة. ومن دون التوسع في وصف الجنرالات ورجال الدولة كقتلة أو لصوص، سأسعى إلى تبيين فائدة هذا التشبيه على الأقل في التجربة الأوروبية خلال القرون القليلة الماضية. إن اعتبار صانعي الحرب وبناة الدول كمقاولين للقوة الجبرية يسعون لمصالح ذاتية لهو اعتبار مقارب للحقيقة أكثر من التصورات البديلة: كفكرة العقد الإجتماعي، أو فكرة السوق المفتوح الذي يقدم فيه قادة الجيوش والدول خدمات لزبائن راغبين طوعياً أو فكرة المجتمع الذي يتشارك معايير وتطلعات تستدعي هذا النوع من الحكومات.
إن ما سأقوم به فيما يلي من تأملات هو محاولة توضيح هذا التماثل بين صناعة الحروب وبناء الدول من جهة وبين الجريمة المنظمة من جهة أخرى كما تجلّى في القرون القليلة المنصرمة من التجربة الأوروبية وأن أقدم محاججة مبدئية حول مبادئ التغير والتنوع التي تحكم هذه التجربة. إن تأملاتي هذه نابعة من اشكاليات معاصرة: القلق من تضحم القوة التدميرية للحرب، و توسع القوى العظمى في امداد الدول الفقيرة بالسلاح والتنظيمات العسكرية، وتزايد الأهمية التي يحظى بها الحكم العسكري في هذه الدول. إن أملي من كتابة هذه التأملات هو أن يساعدنا الفهم الجيد للتجربة الأوروبية على أن نفهم ما يحدث اليوم بل ربما أن نفعل شيئًا حياله.
إن العالم الثالث في القرن العشرين ليس شديد الشبه بأوروبا في القرن السادس عشر أو السابع عشر. فمن غير الممكن أن نقرأ ببساطة مستقبل دول العالم الثالث من خلال ماضي الدول الأوروبية. لكن الدراسة العميقة للتجربة الأوروبية ستخدمنا كثيراً وتكشف لنا كيف أن الإستغلال القسري لعب دوراً كبيرا في بناء الدولة الأوروبية. إنها سترينا أيضا كيف أن المقاومة الشعبية للإستغلال القسري أجبرت من سيكون في السلطة على التنازل عبر تقديم الحماية للناس و تقييد صلاحيات السلطة. وهذا بدوره يعني أنها ستساعدنا على التخلص من المقارنات الضمنية الخاطئة بين العالم الثالث اليوم وأوروبا بالأمس، التوضيح الذي سيسهل علينا أن نفهم على وجه التحديد كيف أن عالم اليوم مختلف وسيرشدنا بالتالي إلى ما ينبغي علينا تفسيره. بل ربما تساعدنا الدراسة العميقة للتجربة الأوروبية على تفسير الحضور المتضخم للتنظيمات والعمليات العسكرية حول العالم. ورغم أنني سأكون مسرورًا إذا تحقق هذا الفهم، إلا أنني لا أعد بإضافة ضخمة.
وإذن فهذا المقال معنيّ بدور وسائل العنف المنظمة في ظهور وتحول تلك الأشكال المميزة من الحكم والتي نطلق عليها الدولة-الأمة ذات التنظيمات المركزية نسبيًا والمعقدة والتي يدّعي مسؤولوها بقدر متفاوت من النجاح التحكم في وسائل العنف المتركزة ضمن تجمع بشري يقطن منطقة جغرافية شاسعة ومتصلة. هذه الحجة هي نتاج دراسة تاريخية لتشكل الدولة-الأمة في أوروبا الغربية وبالأخص نمو الدولة الفرنسية من العام ١٦٠٠ فصاعداً. لكن الوصول إلى هذه الحجة تطلب قفزات مقصودة من ذلك العمل للتمعن فيه من مسافة نظرية بعيدة. فالحجة تستند على عدد من الأمثلة دون أن ترقى لأن تكون أدلة بما تعنيه الكلمة من معنى.
تماما كما يعيد المرء حزم حقيبة ظهره التي كان قد ملأها على عجل، متخلصًا بعد مضي أيام من المشي مما لا يحتاجه و مرتبًا الأغراض حسب الأهمية ليخفف الحمل، فقد أعدت ترتيب حقيبتي النظرية متأهبا للتسلق القادم،و سيكون ما تبقى من الطريق هو الاختبار الحقيقي لجودة الترتيب الجديد. إن الحجة الجديدة المشذبة تشدد على الاعتماد المتبادل بين بناء الدولة وصناعة الحرب والتماثل بين هاتين العمليتين وبين ما نسميه – حينما يكون أصغر وأقل نجاحا- جريمة منظمة. فيما يلي سأحاجج أن الحرب تصنع الدول كما سأؤكد أن قطع الطرق والقرصنة و تناحر العصابات و عسعسة الشرطة وصناعة الحرب كلها تنتمي إلى ذات السلسلة المتصلة (continuum) ، وأخيرًا سأؤكد أن الرأسمالية التجارية وبناء الدولة عززا بعضهما خلال الفترة التاريخية المحدودة التي أصبحت فيها الدولة-الأمة التنظيم المهيمن في الدول الغربية.
الحماية ثنائية الحد
إن كلمة “حماية” (Protection) تحمل إيحائين متعاكسين في المعجم الأمريكي المعاصر إحداهما جالب للارتياح والآخر مشؤوم. الايحاء الأول يستدعي صورة الوقاية من الخطر يقوم بها صديق قوي أو بوليصة تأمين أو سقف بيت. أما الأخر فيستدعي للأذهان الإتاوة التي يفرضها بلطجيّ على تجار كي يأمنوا الضرر – الضرر الذي يهدد به ذات الرجل الذي يقوم بحمايتهم. الفرق بين الإثنين هو فرق في الدرجة: فرجل الدين الذي يتوعد بالنار والهلاك من المرجح أنه سيتكمن من جمع التبرعات من أتباعه بقدر إيمانهم بتنبؤاته بعذاب النار لمن يكفر بذلك. قد يكون البلطجي في حيّنا كما يدّعي بالفعل؛ أفضل من يضمن لدار الدعارة نشاطًا خاليًا من تدخلات الشرطة.
إن استحضار الذهن لأحد الصورتين لمعنى كلمة “حماية” يعتمد بشكل أساسي على تقييمنا لأي مدى نعتبر هذا التهديد حقيقيًا وخارجيًا. الشخص الذي يكون مصدرا لكل من الخطر و الوقاية منه -بمقابل- هو البلطجي جاني الاتاوة (racketeer)، أما الشخص الذي يقدم الوقاية التي تستدعيها الحاجة دون أن يكون له تحكم يذكر في ظهور الخطر، يكون أهلا لأن يوصف كحامٍ شرعي خاصة إذا كانت تكلفة حمايته ليست أعلى من تكاليف الحماية التي يعرضها منافسيه. والشخص الذي يوفر وقاية منخفضة التكاليف ضد كل من البلطجيين المحليين والناهبين الخارجيين يقدم أفضل العروض.
من الشائع أن يقوم المدافعون عن حكومات معينة أو عن فكرة الحكومة بالعموم بالمحاججة بشكل محدد أن هذه الحكومات توفر أفضل عرض حماية من العنف المحلي والخارجي، وأن يزعموا أن ثمن هذه الحماية بالكاد يغطي تكاليفها ويطلقوا على من يتشكى من ثمن هذه الحماية “أناركيين” أو “مخربين” أو الاثنين معا. لكن لنضع في عين الاعتبار أن تعريف البلطجي جاني الاتاوة هو الشخص الذي يخلق التهديد ثم يجعلك تدفع من أجل تقليص هذا التهديد. الحماية التي توفرها الحكومات غالبا ما تكون -وفق هذا المعيار- مؤهلة لأن يطلق عليها بلطجة. فطالما أن المخاطر التي تحمي منها الحكومات مواطنيها هي مخاطر متخلية أو أنها نتيجة لنشاط الحكومة ذاتها، فإن هذه الحكومة تنظم جني اتاوات بالبلطجة. ما دامت الحكومات تحفّز تهديد الحرب الخارجية أو تختلقه ومادامت النشاطات القمعية والاستخراجية التي تقوم بها الحكومات تمثل عادة التهديد الأكبر على حياة ورزق مواطنيها ، فإن الكثير من الحكومات إذن تُدار تماما بطريقة البلطجي جاني الاتاوة. هنالك فرق بالطبع: فالبلطجي يعمل، بالتعريف الدارج، من دون القداسة التي تتمتع بها الحكومات.
كيف تحصل الحكومات البلطجية على السلطة؟ سواء بوصفه سؤال حقائق أو سؤالًا أخلاقيًا، يعد هذا السؤال أحد أقدم ألغاز التحليل السياسي. لكن بالعودة إلى ميكافيلي وهوبز أدرك المراقبون السياسيون أن الحكومات، و بغض النظر عن الأمور الاخرى التي تقوم بها، تنظم وتحتكر العنف أينما استطاعت. لا يهم كثيراً إذا ما كنا سنعرّف العنف بالمعنى الضيق كإلحاقٍ للضرر بالأشخاص أو الأشياء أو بالمعنى الواسع كتعدٍ على رغبات الناس ومصالحهم، فبأي تعريف منهما ستتميز الحكومات عن غيرها من المنظمات بنزعتها لاحتكار وسائل العنف المتركزة. إن التمييز بين القوة “الشرعية” و”غير الشرعية” لا يصنع أي فرق في الحقيقة، فإذا كانت الشرعية تعتمد على الامتثال لمبادئ مجردة أو على قبول المحكومين بها (أو الاثنتين في وقت واحد) فإن هذه الاشتراطات تأتي لتبرر بل و ربما لتشرح النزعة لاحتكار القوة لكنها لا تتعارض معها.
علي أي حال فإن تحليل أرثر ستنشكوم (Arthur Stinchcombe) المتشائم للشرعية يخدم أغراض التحليل السياسي بكفاءة عالية ، فالشرعية وفقا لستنشكوم لا تكاد تعتمد على مبدأ مجرد أو على قبول المحكومين: “الشخص الذي تتم ممارسة السلطة عليه عادة ليس بأهمية الآخر صاحب السلطة” (١). إن الشرعية هي احتمالية أن تقوم السلطات الأخرى بتأكيد قرارات سلطة معطاة. أود أن أضيف أن السلطات الأخرى غالبا ما تؤكد قرارات السلطة مهزوزة الشرعية التي تمتلك قوة متينة ، وهذه قاعدة عامة لا تنتجها الرهبة من الانتقام وحسب بل و الرغبة في استمرارية بيئة مستقرة. هذه القاعدة تؤكد أهمية احتكار السلطة للقوة. إن النزعة لاحتكار العنف تجعل دعوى الحكومة لتقديم الحماية سواء بالمعنى المريح أو المشؤوم للكلمة أكثر مصداقية وأكثر صعوبةً أن يقاوم.
إن الاعتراف الصريح بمركزية القوة في الأنشطة الحكومية لا يتطلب منا الايمان بأن السلطة الحكومية تستند “فقط” و”بشكل نهائي” على التهديد بالعنف كما أنه لا يستلزم افتراض أن الحكومة لا تقدم إلا خدمات الحماية. حتى عندما تفرض الحكومة حمايتها مقابل ثمن باهظ يقرر البعض أن خدمات الحكومة الأخرى ترجح على تكلفة القبول باحتكارها للسلطة. إن إدراك مركزية القوة يفتح الطريق أمام فهم النمو والتغير في الأنماط الحكومية.
هنا استعراض لأكثر الحجج عمومية: سعي أصحاب السلطة للحرب يورطهم شاءوا أم أبو في استخراج الموارد ممن هم تحت حكمهم من السكان من أجل صناعة الحرب، كما يورطهم في تشجيع مراكمة المال عبر أولئك الذين يساعدونهم في الاقتراض والشراء. لقد تفاعلت صناعة الحرب و الاستخراج و مراكمة رأس المال معًا في صناعة ملامح الدولة الأوروبية.لم يقم أصحاب السلطة بهذه الأنشطة الثلاثة الجسيمة من أجل بناء دول وطنية -الدولة التي تتميز بالمركزية والتعقيد والإستقلال الذاتي والتنظيمات السياسية الموسعة- كما أنهم لم يتنبؤوا بأن صناعة الحرب و الاستخراج و مراكمة رأس المال ستنتج تلك الدول القومية.
عوضا عن ذلك فإن أولئك الذين حكموا الدول الأوروبية والدول وهي في طور التشكل خاضوا الحرب من أجل ردع منافسيهم أو التغلب عليهم وبالتالي من أجل التمتع بمميزات السلطة في رقعة جغرافية مأمنّه أو متمددة. ولجعل الحرب أكثر فاعلية، فإنهم حاولوا توفير المزيد من رأس المال من خلال الإحتلال أو بيع الأصول أو من خلال قسر ومصادرة أموال المراكمين لرأس المال على المدى القصير. أما على المدى البعيد فإن السعي للحرب دفعهم إلى إرساء قناة اتصال متاحة دائما مع أصحاب رؤوس الأموال لتأمين وتنظيم الائتمان و فرض ضرائب منتظمة بشكل أو بآخر على الناس والأنشطة في اطار النطاقات الخاضعة لحكمهم.
ومع استمرار هذه العملية، طوّر بناة الدول مصلحة مستدامة في تحفيز تراكم رأس المال، الأمر الذي اتخذ أحيانا شكل الدخل المباشر لمشاريعهم الخاصة. إن التباينات في صعوبة جمع الضرائب، و في تكاليف تبني نوع معين من القوة المسلحة وفي مقدار صناعة الحرب اللازمة لصد المنافسين هي المسؤولة عن التباينات الرئسية في أشكال الدول الأوروبية. كل ذلك يبدأ من محاولة احتكار وسائل العنف في نطاق إقليم محدد مجاور لمركز صاحب السلطة.
العنف والحكومة
ما الذي يميز العنف الذي تنتجه الدولة عن العنف الذي يقوم به أي شخص آخر؟ ماهو هذا التمييز الكفيل بجعل تقسيم “القوة الشرعية” و ” القوة غير الشرعية” على المدى البعيد تقسيمًا ذا مصداقية؟ إن الفرق في نهاية المطاف هو أن موظفي الدولة قادرون على توفير العنف على نطاق أوسع بشكل أكثر كفاءة وفعالية و قبول عريض من السكان الخاضعين لهم وجاهزية أكثر للتعاون من قبل السلطات الجارة أكثر من طاقم أي منظمة أخرى. لكن هذه التمايزات احتاجت مدة طويلة لكي تتأسس. في المراحل الأولى من تأسيس الدولة تشاركت العديد من الأطراف في الحق في استخدام العنف أو في استخدامه بشكل روتيني لتحقيق غاياتهم أو الإثنين في آن واحد. السلسلة المتصلة تبدأ من قاطع الطريق أو القراصنة وصولًا إلى الملوك مرورًا بجابي الضرائب وأصحاب السلطة الإقليميين و الجنود المحترفين.
إن الفاصل المرن وغير المحدد بين العنف “الشرعي” و “غير الشرعي” يظهر في الروافد الأولى لتكون السلطة. في بواكير عملية بناء الدولة، تشارك العديد من الأطراف الحق في استخدام العنف أو الاستخدام الفعلي له أو الإثنين معا. إن علاقة الحب والكره الطويلة بين صناع الدول الطامحين وبين قطاع الطرق أو القراصنة يوضح الانقسام. “خلف كل قرصان في البحار مدن أو دول-مدن” كما قال فيرناند برادل (Fernand Braudel) في القرن السادس عشر. “خلف كل قاطع طريق، كل قرصان بري، دعم غير منقطع من إقطاعي” (٢). بالفعل، كان من المعتاد في أوقات الحرب أن يقوم مدراء الدول المكتملة بالاستعانة بقراصنة وباستئجار قطاع طرق لغزو أعدائهم وبتشجيع قواتهم النظامية على أخذ الغنائم ، بل و كان من المتوقع عادة من الجنود و البحارة الذين يعملون في الخدمة الملكية أن يعيلوا أنفسهم عبر الانقضاض على المدنيين : بالاستيلاء على الممتلكات و الاغتصاب والنهب و أخذ الغنائم. و كان من المعتاد أيضًا أن يواصلوا ذات الممارسات بعد تسريحهم من الخدمة ، لكن هذه المرة دون الحماية الملكية: السفن المسرحة تصبح سفن قراصنة والكتائب المسرحة تصبح فرق قطاع طرق.
من الممكن أيضا أن نراها بشكل آخر: عالم الخارجين عن القانون كان في بعض الأحيان أفضل مصدر يحصل من خلاله الملك على أنصار مسلحين. ربما يكون تحول روبن هود إلى أحد رماة الملك أسطورة لكنها اسطورة تسجل لنا ممارسة. التمييز بين الممارسين “الشرعيين” و”غير الشرعيين” يتضح ببطء شديد في العملية التي تصبح خلالها القوات المسلحة للدولة موحدة نسبيًا ودائمة.
حتى هذه النقطة، كانت المدن الساحلية و إقطاعيو الداخل، كما قال برادل، يمنحون الحماية على نحو شائع لقطاع الطرق أو حتى ينعمون عليهم الرعاية. العديد من الزعماء الذين لا يدعون أنفسهم ملوكاً ادّعوا بشكل ناجح الحق في تجنيد كتائب و المحافظة على حماية مسلحة. من دون استنفار هؤلاء الزعماء ليعيروا جنودهم لم يكن لملكٍ القدرة على أن يخوض حربًا. لكن الزعماء المسلحين ذاتهم كان يشكلون خصوما للملك ومعارضين له أو حلفاء محتملين لأعدائه. لهذا السبب كانت مجالس الوصاية على الملوك القصّر قبل القرن السابع عشر سببًا في إنتاج الحروب الأهلية باستمرار ، ولذات السبب فإن نزع السلاح من الأقوياء يتصدر أجندة أي صانع دولة محتمل.
على سبيل المثال، نجحت أسرة تيودور (Tudors) في تحقيق هذه الأجندة في معظم أنحاء انجلترا. لقد كان “أعظم نصر لأسرة تيودور” كما يقول لورانس ستون (Lawrence Stone) “هو التأكيد الناجح على الاحتكار الملكي للعنف في المجالاين الخاص والعام، وهو انجاز لم يغيّر طبيعة السياسة بشكل عميق فحسب بل ونوعية الحياة اليومية. العادات الانجليزية تغيرت بشكل لا يمكن مقارنته إلا بالخطوة الأبعد التي حصلت في القرن التاسع عشر عندما عزز نمو قوات الشرطة هذا الاحتكار وجعله أكثر فاعلية في أكبر المدن وأصغر القرى” (٣).
إن نزع السلاح من الزعماء الكبار الذي قامت به أسرة تيودور تبعته أربع حملات تكميلية: التخلص من حامياتهم الشخصية المسلحة وهدم حصونهم وترويض ميلهم لتسوية النزاعات عن طريق العنف، وتثبيط التعاون بينهم وبين أتباعهم والمستفيدين منهم. إلا أن المهمة كانت أكثر حساسية أو دقة في تخوم انجلترا وسكوتلاندا؛ فهناك، حافظت كل من أسرتي بيرسي و داكر (Percys and Dacres) على جيوشها و قلاعها على امتداد الحدود مهددين بذلك العرش الانجليزي لكنهم في ذات الوقت شكلوا حاجزا ضد الغزو الاستكلندي، إلا أنهم في نهاية المطاف خضعوا لذات المصير.
أما في فرنسا ، فقد بدأ ريشيليو (Richelieu) النزع العظيم للسلاح في عشرينيات القرن السابع عشر. إذ شرع لويس الثالث عشر، آخذا بنصيحة ريشيليو، بتدمير قلاع الزعماء الكبار المتمردين، البروتستانتيين منهم والكاثوليكيين على حد سواء، الذين ظلت قواته تحاربهم بلا انقطاع، وبدأ بتجريم المبارزات وحمل الأسلحة القاتلة والإبقاء على الجيوش الخاصة. ومع حلول أواخر العشرينات من ذلك القرن، كان ريشيليو يعلن الاحتكار الملكي للقوة كعقيدة. أخذت هذه العقيدة نصف قرن حتى تصبح فعالة:
“مرة أخرى شهدت نزاعات الفروند (The Fronde) حشدًا للجيوش من خلال “الكبار”. باستثناء البقية، كانت آخر الوصايات على العرش، تلك التي حدثت بعد موت لويس الرابع عشر هي الوحيدة التي لم تقد إلى انتفاضات مسلحة. أي بحلول الوقت الذي أصبحت فيه مبادئ ريشيليو واقعاً. وكما حدث في الامبراطورية بعد حرب الثلاثين عاما، كان لأمراء المقاطعات وحدهم الحق في حشد الكتائب و الابقاء على الحصون … عدا ذلك في كل مكان: فإن هدم القلاع، و التكاليف العالية لسلاح المدفعية، و جاذبية حياة البلاط، وما تلاهم من ترويض للنبلاء، كل ذلك لعب دوره في هذا التطور (٤).”
وبحلول القرن الثامن عشر في أغلب مناطق أوروبا سيطر الملوك على قوات عسكرية محترفة ودائمة نافست تلك التي يمتلكها جيرانهم من الملوك وتفوقت بفارق كبير على أي قوة مسلحة منظمة في مقاطعاتهم. احتكار الدولة للعنف واسع النطاق انتقل من النظرية إلى الواقع.
لكن القضاء على المنافسين المحليين تسبب في مشكلة جدية. فيما عدا الدول-المدن (city-states) ذات النطاق المحدود، لم يتمكن أي ملك من حكم السكان من خلال القوة المسلحة وحدها كما لم يتمكن أي ملك من بناء طاقم كبير وقوي من الموظفين المحترفين بما يكفي لربط المواطن العادي به. إلى وقت قريب جدًا ، لم تبلغ أي دولة أوروبية درجة اكتمال ربط مفاصلها من الأعلى للأسفل التي بلغتها الامبراطورية الصينية. حتى الامبراطورية الرومانية لم تكون قريبة من ذلك. بشكل أو بآخر، اعتمدت كل دولة أوروبية قبل الثورة الفرنسية على الحكم غير المباشر عبر أقطاب محليين يعاونون الحكومة دون أن يكونوا مسؤولين رسميين بما تعنيه الكلمة من معنى. لقد تمتع هؤلاء الأقطاب بسبل القوة المدعومة حكوميًا كما مارسوا حرية تصرف واسعة في الحكم داخل مقاطعاتهم. هؤلاء هم النبلاء، قضاة السلام و الاقطاعيين (junkers). لكن أقطاب الحاكم أنفسهم شكّلوا خصومًا محتملين وحلفاء محتملين للثوار.
في نهاية المطاف خفضت الحكومات الأوروبية اعتمادها على الحكم غير المباشر من خلال استراتيجيتين مكلفتين لكن فعالتان: (أ) توسيع المجال الرسمي (officialdom) ليصل إلى المجتمعات المحلية، (ب) تشجيع استحداث قوات شرطة خاضعة لسلطة الحكومة بدلاً من أفراد، و متمايزة عن قوات الحروب، مما يقلل بالتالي قدرة الأقطاب المنشقين على الاستعانة بهذه القوات. لكن بين الحالتين لعب بناة القوة الوطنية استراتيجية مختلطة: فأخذوا يزيلون و يخضعون و يفرقون و يغزون و يداهنون ويشترون حسب ما تستدعي الظروف. أما الشراء فقد تبدّى في شكل اعفاءات ضريبية، و خلق مناصب شرفية، و ترسية مخصصات من الخزينة الوطنية، و وسائل متعددة أخرى جعلت رفاهية الأقطاب تعتمد على المحافظة على بنية القوة القائمة. و قد انتهى المطاف بكل هذا على المدى الطويل إلى فرض ساحق للسلام واحتكار وسائل القسر.
الحماية كمشروع تجاري
بالنظر للوراء، فإن إشاعة السلام، و الاحتواء، و التخلص من الخصوم المشاكسين لصاحب السيادة يبدو مشروعًا رائعًا و نبيلاً و ذو بصيرة يجلب السلم للشعب، لكنه ينبع بشكل حتمي من منطق قوة توسّعي. فإذا كان صاحب السلطة يريد الانتفاع من تقديم خدمات الحماية، فليس لمنافسيه إذن سوى أن يفسحوا له الطريق. وكما قال المؤرخ الاقتصادي فريدريك لين (Frederic Lane) قبل خمس وعشرين سنة أن الحكومات منخرطة في مشروع تجاري لبيع الحماية … سواء أرادها الناس أم لا. إذ أنه يجادل أن نشاط انتاج العنف والتحكم به في حد ذاته يدفع للإحتكار لأن المنافسة في هذا المجال ترفع التكاليف بدلا من خفضها. يقترح لين أن انتاج العنف يتمتع بشكل كبير بمزايا اقتصاد وفرات الحجم (economies of scale) [الذي تنخفض فيه التكلفة كلما زادت ضخامة الانتاج].
بناء على ذلك يميز لين بين (أ) أرباح الاحتكار أو الإتاوات التي يجنيها الملاك لوسائل انتاج العنف كنتيجة للفرق بين تكاليف الحماية والثمن الذي يُقبض من “الزبون” وبين (ب) ريع الحماية الذي يجنيه الزبائن- التجار على سبيل المثال- الذين يتلقون حماية فعالة ضد منافسيهم الخارجيين. لين، وهو المؤرخ الحذق في تاريخ البندقية، يتيح لنا بشكل خاص فهم حالة حكومة تنتج ريع حماية لتجارها من خلال مهاجمتها بشكل مقصود لمنافسيهم. في تبنيهم لتفريعات لين قام ادوارد أيمز وريتشارد راب (Edward Ames and Richard Rapp) باستبدال مفردة “اتاوة” (Tribute) بـ”ابتزاز” (Extortion) ، ففي هذا النموذج ينتمي النهب، و القسر، و القرصنة، و قطع الطريق، و جني الاتاواة بالبلطجة إلى ذات العائلة التي ينتمي لها أبناء عمومتهم الصالحين في أنشطة الحكومة المسؤولة.
هكذا يعمل نموذج لين: إذا استطاع أمير ما تكوين قوة مسلحة كافية لردع أعدائه الخارجيين وأعداء رعيته و لتطويع رعيته بتكلفة تبلغ ٥٠ جنيه لكنه قادر على استخراج ٧٥ جنيه كضرائب من هؤلاء الرعايا لذلك الغرض فإنه يحصل على اتاوة قدرها (٧٥-٥٠=) ٢٥ جنيه. إذا كان هناك حصة مقدارها ١٠ جنيهات من هذه الضرائب قد دفعها أحد رعايا الأمير من التجار مقابل أن يوفر له الأمير مسارًا آمناً للسوق العالمية ، أي أقل من ١٥ جنيها التي يدفعها تجار أجانب منافسين لأمراءهم ، فقد حصل التاجر الأول على ريع حماية يقدر بـ(١٥-١٠= ) ٥ جنيهات بفضل كفاءة أميره التي تفوق كفاءة أمراءهم. هذا المنطق يختلف فقط في الدرجة وفي المدى عن منطق المجرمين المستخدمين للعنف وزبائنهم. ابتزاز العمال (على سبيل المثال مالك السفينة الذي يتجنب المشاكل التي قد يسببها له عمال الشحن والتفريغ من خلال الدفع دون تأخير لرئيس اتحاد العمال المحلي) يعمل بنفس المبدأ: يستلم رئيس الاتحاد الاتاوة مقابل أن يضغط على عماله بعدم الإضراب وبذلك يتجنب مالك السفينة الإضرابات والابطاء الذي يُلحقه عمال الشحن والتفريغ بمنافسيه.
يشير لين إلى السلوك المختلف الذي نتوقعه من مدراء حكومة تقوم على توفير الحماية إذا كانت مملوكة:
١- للمواطنين بالعموم
٢- لملك فرد متمركز حول منفعته الذاتية
٣- للمداراء أنفسهم
إذا كان المواطنون بالعموم يمارسون ملكية فعلية للحكومة – و ما أبعده من مثال!- سنتوقع أن يخفض المدراء تكاليف الحماية والإتاوة إلى أقل قدر ممكن وبالتالي زيادة ريع الحماية. في المقابل، سيعظم الملك المفرد المتمركز حول منفعته الذاتية الاتاوة دون اعارة أي اهتمام لمستوى ريع الحماية. أما أذا كان المدراء أنفسهم يملكون الحكومة فإنهم سيميلون إلى ابقاء تكلفة الحماية عالية من خلال تعظيم أجورهم إلى الحد الأعلى، كما سيميلون فضلا عن رفع تلك التكاليف إلى تعظيم الأتاوة عبر تحصيل ثمن أعلى من هذه التكاليف من رعاياهم ، وتمامًا كما في حالة الملك، سيكونون غير مهتمين بريع الحماية. النموذج الأول يمثل ديموقراطية جيفرسونية، أما الثاني فاستبداد طفيف بينما يمثل الأخير طغمة عسكرية.
إلا أن لين قد فاته التطرق إلى الصنف الرابع شديد الوضوح من الملاك: الطبقة المهيمنة. لو أن لين تطرق لهذا النوع الرابع في تحليله لتمكن من الخروج بمعايير إمبيريقية مثيرة للاهتمام لتقييم الدعاوى الخاصة بدرجة استقلال حكومة ما نسبيًا أو خضوعها لمصالح الطبقة المهيمنة. من المفترض منطقيًا أن تميل الحكومة الخاضعة لمصالح الطبقة المهيمنة إلى تعظيم أرباح الاحتكار – وهي عوائد للطبقة المهيمنة ناتجة من الفرق بين تكاليف الحماية والثمن الذي تستلمه كمقابل لها- بالاضافة إلى التأكد من تناغم ريع الحماية مع المصالح الاقتصادية للطبقة المهيمنة بشكل جيد. في المقابل، ستميل الحكومة المستقلة إلى تعظيم حجمها وأجور مدرائها دون أن تعير ريع الحماية أي اهتمام. إن تحليل لين يتيح لنا بشكل مباشر الخروج بافتراضات جديدة وبطرق لاختبارها.
لين أيضا يقدم افتراض أن منطق الحالة أنتج أربعة مراحل متعاقبة في التاريخ العام للرأسمالية:
١- فترة الأناركية والنهب.
٢- المرحلة التي يجذب فيها آخذو الاتاوات زبائناً ويؤسسون لاحتكارات من خلال سعيهم لخلق دول كبيرة وحصرية.
٣- المرحلة التي يبدأ فيها التجار والاقطاعيون بجني الربح من ريع الحماية أكثر مما يجنيه الحكام من الإتاوة.
٤- الفترة (الحديثة إلى حد بعيد) التي تتعدى فيها التغيرات التكنولوجية ريع الحماية كمصدر للربح لرواد الأعمال.
في تاريخهم الإقتصادي الجديد للعالم الغربي جعل كل من دوغلاس نورث وروبرت باول توماس (Douglass North and Robert Paul Thomas) المرحلتين الثانية والثالثة – التي يرسي فيها صناع الدول احتكارهم للقوة ويؤسسون لحقوق الملكية التي تسمح للأفراد بتحصيل الكثير من العوائد من ابتكاراتهم المولدة للنمو- اللحظة المحورية للنمو الاقتصادي المستديم. في هذه النقطة تطغى الحماية على الضريبة. إذا أدركنا أن حقوق الملكية المحمية كانت بشكل أساسي حقوقًا لرأس المال ، وأن تطور الرأسمالية أيضا سهل تراكم الموارد المالية لتشغيل الدول الضخمة، فإن افتراضاتنا المبنية على تحليل لين تقدم لنا اضاءات مهمة حول تزامن صناعة الحرب وصناعة الدولة ومراكمة رأس المال.
لم يقم لين للأسف باستثمار اضاءاته هذه أتم الاستثمار ، حيث حصر تحليله بعناية في إطار النظرية الكلاسيكية الجديدة للتنظيم الصناعي، الأمر الذي أدى إلى تقييد تناوله للحماية: إذ يتعامل مع كل دافعي الضرائب كـ”زبائن” لـ”خدمات” تقدمها الدول المصنّعة للحماية ضاربًا عرض الحائط بالاعتراضات الموجهة لفكرة البيع الجبري من خلال إصراره على أن “الزبون” لديه دائما الخيار في أن لا يدفع ويتحمل عواقب عدم دفعه ، مقللاً بذلك من شأن مشاكل القابلية للقسمة التي تخلقها صفة الصالح العام التي تتصف بها الحماية، كما يهمل بشكل متعمد التمييز بين تكاليف انتاج وسائل العنف بالعموم وتكاليف منح “الزبائن” الحماية بواسطة هذه الوسائل. أفكار لين تختنق داخل صندوق النظرية الكلاسيكية الجديدة وتتنفس بطلاقة خارجه. لكن سواء كانت داخله أو خارجه فإنها تعيد التحليل الاقتصادي للحكومة كما ينبغي إلى قائمة النشاطات الرئيسية التي مارستها الحكومات الحقيقية تاريخيًا: الحرب، و القمع، و الحماية و اصدار الأحكام.
في عمل أحدث، طبق ريتشارد بين (Richard Bean) منطقًا مشابهًا على الدول الأوروبية القومية بين ١٤٠٠م و ١٦٠٠م احتكم فيه إلى وفرات الحجم (economies of scale) في انتاج قوة عسكرية ذات فاعلية في مقابل تبذيرات الحجم (diseconomies of scale) للقيادة والتحكم. يدّعي ريتشارد بناء على ذلك أن تطور سلاح المدفعية في القرن الخامس عشر (المدفع جعل قلاع العصور الوسطى الصغيرة مهددة بشكل أكبر بكثير في مواجهة القوة المنظمة) عطف منحنى الوفرات والتبذيرات ليجعل الجيوش الأكبر و الجيوش النظامية والحكومات المركزية تمنح ميزة الأفضلية لأربابها. لذلك يرى بين أن الابتكار العسكري شجع على بناء دول وطنية كبيرة، مكلفة وجيدة التسليح.
التاريخ يتكلم
إن ملخص بين لا يصمد أمام التحرّي التاريخي. التحول إلى استخدام سلاح مدفعية يشغله المشاه في حصار المدن المحصنة لم يحدث إلا خلال القرن السادس عشر والسابع عشر. بالفعل، تطور سلاح المدفعية خلال القرن الخامس عشر لكن ابتكار نوع جديد من التحصين، خاصة حصن النجمة (trace italienne)، سرعان ما وازن ميزات المدفعية. وصول مدفعية فعالة أتى متأخرًا جداً ليُحدث زيادة في الحجم الممكن للدول. (لكن زيادة تكاليف التحصينات للدفاع ضد المدفعية أعطى بالفعل ميزة للدول كي تتمتع بقاعدة مالية أكبر).
إنه ليس من الواضح كذلك ما إذا كان للتغيرات في الحرب البرية ذلك التأثير الجارف الذي عزاه بين إليها. الزيادة في الأهمية الحاسمة للحرب البحرية والتي حدثت في ذات الفترة الزمنية ربما أفضت إلى تحول في التفوق العسكري إلى قوى بحرية صغيرة مثل جمهورية هولنده. علاوة على ذلك، بالرغم من أن العديد من دول-المدن و الكيانات الدقيقة الأخرى ذابت في وحدات سياسية أكبر قبل ١٦٠٠م ، فإن أحداثًا مثل تفتت امبراطورية هابزبورغ (Habsburg Empire) وبقاء كيانات كبيرة لكن منسوجه على نحو فضفاض كبولنده وروسيا ، يجعل ادعاء الزيادة الضخمة في المساحة الجغرافية دعوى ملتبسة. باختصار، إن كلاً من تفسير بين المقترح ومقولته حول ما يجب أن يفسَّر تستدعي شكوكاً تاريخية.
لكن إذا انتزعنا من منطق بين حتميته التكنولوجية، فإنه مفيد كمكمل لمنطق لين ، فللتشكيلات العسكرية المختلفة تكاليف انتاج تختلف بشكل كبير، كما تختلف بشكل كبير في قدرتها على التحكم بالخصوم المحليين والخارجيين. إن سعي الأوروبيين بعد ١٤٠٠م إلى الحصول على تشكيلات تنظيم عسكري أكبر ، أكثر ديمومة وتكلفة، قاد في الحقيقة إلى ارتفاع مذهل في الميزانيات الأميرية والضرائب وفي أعداد الموظفين. بعد العام ١٥٠٠ تقريبًا ، تمكن الأمراء الذين نجحوا في بناء تشكيلات التنظيم العسكري الباهظة هذه من احتلال مساحات جديدة من الأراضي بالفعل.
ينبغي هنا ألا تضللنا كلمة “أرض” (territory)، فحتى القرن الثامن عشر كانت القوى العظمى دولًا بحرية كما بقيت الحروب البحرية مهمة لتأمين المكانة العالمية لهذه القوى. لنستدعي تعداد فريناد برادل للقوى المهيمنة المتعاقبة ضمن العالم الرأسمالي: البندقية وامبراطوريتها، جنوة وامبراطوريتها، أنتوريب في اسبانيا، أمستردام في هولنده، لندن في انجلترا ونيويورك في الولايات المتحدة. وبالرغم من أن براندنبيرغ في بروسيا تمثل استثناءا جزئيًا، فإن الدول المرتهنة بالأرض بشكل جوهري كروسيا والصين لم تحظى بموقع مهيمن في النظام العالمي للدول إلا في وقتنا المعاصر. الحروب البحرية لم تكن إطلاقًا هي السبب الوحيد لهذا الانحياز للبحر ، فقبل القرن التاسع عشر كان النقل البري باهظ التكاليف في كل مكان في أوروبا بحيث لم تتمكن دولة من تزويد جيش كبير أو مدينة كبيرة بالحبوب و غيرها من البضائع الثقيلة دون أن يتوفر لديها نظام نقل مائي ذو كفاءة. فالحكام كانوا يوفرون الغذاء للمراكز الداخلية الرئيسية كمدريد و برلين بمجهود عظيم وبتكلفة عالية تتكبدها المناطق المحيطة بها. الكفاءة الاستثنائية لطرق المياه في هولنده منحت الهولنديين دون شك أفضلية عظيمة في السلم والحرب.
إن وجود منفذ للمياه مهم لسبب آخر هو أن المدن في قائمة برادل كانت جميعها موانئ رئيسية و مراكز تجارية عظيمة وأماكن متفوقة في حشد رأس المال ، فلقد خدم كل من التجارة ورأس المال أغراض الحكام الطامحين. في مسار دائري تأخذنا هذه الملاحظة مرة أخرى إلى محاججات لين وبين ، فبالتأمل في ما كتباه كمؤرخين اقتصاديين فإن نفطة الضعف الأعظم في تحليلاتهما تأتي كمفاجأة: كلاهما قلل من شأن أهمية تراكم رأس المال في التوسع العسكري. كما قال يان دي فريش (Jan De Vries) عن مرحلة ما بعد ١٦٠٠م :
“بالنظر إلى الوراء، لا يتسنى للمرء أن لا يذهل مما يبدو كعلاقة تكافلية بين الدولة والقوة العسكرية وكفاءة الإقتصاد الخاص في عهد الحكم المطلق. خلف كل سلالة ناجحة تقف تشكيلة وفيرة من العوائل البنكية. القناة المفتوحة لمثل هذه الموارد البرجوازية أثبتت أهميتها الحاسمة للأمراء في بناءهم للدول وفي سياسات المركزة. الأمراء احتاجوا أيضا نافذة مباشرة للموارد الزراعية والتي يمكن تحصيلها فقط عندما تنمو الانتاجية الزراعية وتوجد قوة ادراية وعسكرية فعالة لفرض دعاوي الأمير. لكن الخط السببي أيضا يسير في الاتجاه المعاكس فنشاطات بناء الدولة وبناء الامبراطورية الناجحة بالإضافة إلى النزعة المصاحبة تجاه تركيز السكان في الحواضر والانفاق الحكومي يتيحان للإقتصاد الخاص فرصًا فريدة و لا تقدر بثمن لتحصيل وفرات الحجم. وفرات الحجم هذه تترك أثرا في بعض الأحيان على الانتاج الصناعي لكن أهميتها الأساسية تأتي في تصور التجارة والإدارة المالية. بالإضافة إلى ذلك ، فإن محض الضغط الذي تحدثه الضريبة الحكومية المركزية يعمل كأي قوة اقتصادية أخرى على دفع انتاج الفلاحين إلى السوق وبالتالي زيادة فرص خلق التجارة والتخصص الاقتصادي” (٥).
لم تكن “العلاقة التكافيلة” منطبقة على ما بعد ١٦٠٠م فحسب. إن كل ما نحتاج إليه في حالة فرنسا مبكرة النضج هو النظر إلى الزيادة في الانفاقات والإيرادات الملكية من ١٥١٥ إلى ١٧٨٥م. صحيح أن معدل النمو تسارع بعد ١٦٠٠ م إلا أنه ارتفع بشكل كبير خلال القرن السادس عشر. بعد ١٥٥٠م كبحت “حروب الدين” (Wars of Religion) الداخلية جماح التوسع العالمي الذي كان قد ابتدأه فرانسيس الأول (Francis I) قبل ذلك في ذات القرن. لكن من عشرنيات القرن السابع عشر وما تلاه ، استأنف كل من لويس الثالث عشر ولويس الرابع عشر (بمعاونة وتحريض ريشيليو ومازران وكولبرت وغيرهم من كهنة صناعة الدول) المهمة بنكهة ثأر. “كعادتها دائما” يقول في جي كيرنان “للحرب كل مباركة سياسية وكل عقبة مالية” (٦).
الإقتراض ومن ثم سداد الدين مع الفوائد مسؤول عن الكثير من التناقضات بين المنحنيين. الرأسماليون الكبار لعبوا أدوارا في غاية الأهمية على جانبي الصفقة: كمصدر رئيسي للدين الملكي، خصوصا على المدى القصير، وكأهم المتعاقدين في نشاط جمع الضرائب الملكية، النشاط المربح جدا والذي يتضمن قدرًا عال من المخاطرة. لهذا السبب من المهم أن نلاحظ أنه:
“لأغراض عملية بدأ الدَّين القومي في عهد فرانسيس الأول. بعد خسارته لمدينة ميلان، البوابة لشمال ايطاليا في الخامس عشر من سبتمبر ١٥٢٢، استدان فرانسيس الأول ٢٠٠٠٠٠ فرنك بفائدة بلغت ١٢.٥% من تجار باريس ليشعل الحرب ضد تشارلز الخامس (Charles V). الدين الذي تولت إدارته حكومة المدينة صدر في سلسة من السندات الشهيرة على إيرادات من رأس المال عرفت بـ(Rentes sur L’Hotel de Ville)” (٧).
(فشل الدولة في دفع هذه الديون ساعد مصادفة في صفّ البرجوازية الباريسية ضد العرش خلال حروب الفروند بعد اثني عشر عقد) ولم تحل سنة ١٥٩٥ إلا وارتفع الدين العام إلى ٣٠٠ مليون فرنك برغم إشهارات الإفلاس الحكومية و التلاعب بالعملة والارتفاع الهائل في الضرائب. مع وفاة لويس الرابع عشر في ١٧١٥ بلغت الديون الناجمة عن الحرب ثلاثة مليار فرنك أو ما يعادل ثمان عشرة سنة من الإيرادات الملكية (٨). كانت الحرب، و أجهزة الدولة، و الضرائب والاستدانة تتقدم مع بعضها البعض في تناغم وثيق.
بالرغم من أن فرنسا كانت حالة مبكرة فإنها لم تكن بأي حال من الأحوال فريدة. “بل وبشكل أكبر من ذلك الذي تمثله الحالة الفرنسية” ينقل إيرل هاملتون (Earl Hamilton) وهو المفيد دومًا: ” بدأ الدين القومي في إنجلترا و نمى في أوقات الحروب الرئيسية. باستثناء الديون الضئيلة المتبقية من عهد سلالة ستيورت (the Stuarts)، فإن الدين ابتدأ في ١٦٨٩م مع عهد ويليام وماري (William and Mary). بكلمات آدم سميث: “كانت الحرب التي بدأت في ١٦٨٨م وانتهت بمعاهدة ريسويك (Ryswick) في ١٦٩٧ م قد أرست الأساس للدين الحالي الهائل لبريطانيا العظمى” (٩).
صحيح أن هاملتون قام باقتباس المركنتيلي (mercantilist) تشارلز ديفينانت (Charles Davenant) الذي اشتكى في ١٦٩٨ من أن معدلات الفائدة العالية الناتجة من اقتراض الحكومة كان يعيق التجارة الانجليزية. لكن شكوى ديفينانت توحي أن انجلترا كانت قد دخلت مرحلة فريدريك لين الثالثة في علاقات الدولة ورأس المال، والتي يحظى فيها التجار وملاك الأراضي بفوائض أعلى من مزودي الحماية.
حتى القرن السادس عشر كان الانجليز يتوقعون من ملوكهم أن يعتاشوا على إيرادات أملاكهم الملكية وأن يجنوا الضرائب للحروب فقط. جي أر إلتون (G. R. Elton) أشار إلى الابتكار العظيم في صياغة توماس كرومويل (Thomas Cromwell) لقانون الدعم الخاص بهنري الثامن عامي ١٥٣٤ و١٥٤٠م: “لقد كان قانون ١٥٤٠م متنبهًا لمواصلة الإبتكار العظيم الذي جاء به قانون ١٥٣٤م ألا وهو أن المساهمات الاستثنائية من الممكن أن تفرض لأسباب غير الحروب” (١٠). لكن بعد هذه النقطة تماما كما في السابق ظلت الحرب المحفز الأساسي لارتفاع مستوى الضرائب ومستوى الديون. كما كان من النادر أن ينخفض مستوى أي من الديون والضرائب. لقد حدث ما يدعوه أيه تي بيكاك وجاي وايزمان (A. T. Peacock and J. Wiseman) “أثر الإحلال” بالفعل: عندما ترتفع المصروفات والايرادات العمومية فجأة في أوقات الحرب فإنها تشكل أرضية جديدة أعلى لا تنخفض دونها المصروفات والايرادات في أوقات السلم. خلال الحروب النابلبونية ارتفعت الضرائب البريطانية من ١٥ إلى ٢٤ في المائة من الدخل القومي و إلى حوالي ثلاثة أضعاف مستوى الضرائب الفرنسي (١١).
صحيح أن بريطانيا تتمتع بالميزة المزدوجة في أن اعتمادها على قوة برية ممتدة أقل من خصومها القاريين وفي أنها تحصل على كثير من إيراداتها الضريبية من الرسوم والجمارك -وهي ضرائب برغم إمكانية التهرب منها إلا أنها أقل تكلفة بشكل كبير من ضرائب الأرض وضرائب الممتلكات والضرائب على الرؤوس. لكن في بريطانيا كما في أي مكان آخر ارتفع كل من الدين والضرائب بشكل هائل ابتداءًا من القرن السابع عشر فصاعداً وذلك بشكل أساسي بسبب الارتفاع في تكلفة صناعة الحرب.
ماذا تفعل الدول؟
من المفترض أنه قد اتضح لنا الآن أن تحليل لين للحماية فشل في التمييز بين أنواع مختلفة من استخدامات العنف الذي تتحكم به الدولة. تحت العنوان العريض للعنف المنظم فإن وكلاء الدول يقومون بأربعة أنواع مختلفة من النشاطات:
١- صناعة الحرب: تحييد أو القضاء على الخصوم من خارج المناطق التي يتمتعون فيها بأولوية واضحة وغير منقطعة كممارسين للعنف.
٢- صناعة الدولة: تحييد أو القضاء على الخصوم من داخل تلك المناطق.
٣- الحماية: تحييد أو القضاء على أعداء زبائنهم.
٤- الاستخراج: الاستحواذ على الأدوات التي تمكنهم من القيام بالأنشطة الثلاثة السابقة: صناعة الحرب، صناعة الدولة والحماية.
تتطابق النقطة الثالثة مع معنى الحماية كما حلله لين لكن الثلاثة الباقية تتطلب استخدام القوة. هذه الأنشطة تتقاطع جزئياً بدرجات متفاوتة ، فشن الحرب ضد خصوم البرجوازية المحلية التجاريين ، على سبيل المثال ، يوفر حماية لهذه البرجوازية. وفي حين نجد السكان منقسمين إلى طبقات متعادية بحيث تقوم الدولة بمحاباة إحدى هذه الطبقات دون الأخرى، فإن بناء الدولة يتضمن انخفاض مستوى الحماية المقدمة لبعض هذه الطبقات.
تأخذ كل من صناعة الحرب، و بناء الدولة، و الحماية والاستخراج عددًا من الأشكال. فالاستخراج على سبيل المثال يتفاوت من النهب الصريح إلى الإتاوة المنتظمة إلى الضرائب المنظمة بيروقراطيا. لكن كل العمليات الأربعة تعتمد على نزعة الدولة إلى احتكار وسائل القسر المتركزة. من منظور أؤلئك الذين يهيمنون على الدولة، هذه الأنشطة الأربعة -إذا تم القيام بها بشكل فعال- فإنها بالعموم تعزز بعضها البعض ، لذلك فالدولة التي تنجح في اجتثاث خصومها الداخليين فإنها تعزز قدرتها على استخراج الموارد وشن الحرب وحماية أنصارها الرئيسيين. في بواكير التجربة الأوروبية فإن هؤلاء الأنصار كانوا بشكل عام الاقطاعيين، ووكلاء الملك المسلحين ورجال الكنيسة.
كل نوع رئيسي من أنواع استخدام العنف أنتج أشكال تنظيم ذات خصائص متميزة. فصناعة الحرب خلقت الجيوش و الأساطيل البحرية العسكرية والخدمات المساندة لها ، و بناء الدولة أنتج أجهزة مستدامة للمراقبة والتحكم داخل إقليمها ، أما الحماية فاعتمدت على تنظيم صناعة الحرب وبناء الدولة لكنها أضافت أجهزة تتمكن من خلاله الفئات التي تتمتع بالحماية من استدعاء هذه الحماية كحق لهم، تتمثل هذه الأجهزة بشكل بارز في المحاكم والمجالس التمثيلية ،و أما الاستخراج فقد دفع لظهور هياكل المالية والمحاسبة. إن تنظيم واستخدام العنف بحد ذاته مسؤول عن كثير من خصائص بنية الدول الأوروبية.
يبدو أن القاعدة العامة لعملية تشكل الدولة هذه تسير كما يلي: كلما ارتفعت تكلفة النشاط، كلما خلف المزيد من التنظيمات. كلما استثمرت حكومة ما على سبيل المثال في بناء جيوش نظامية – وهي وسيلة مكلفة لصناعة الحرب وإن كانت فعالة- كلما زاد احتمال تضخم البيروقراطية التي وجدت لخدمة هذا الجيش. علاوة على ذلك، نجد أن الحكومة التي تبني جيشًا نظاميًا في حين تحكم أعدادًا قليلة من السكان ستتكبد تكاليفًا أعلى لبناء ذلك الجيش ونجدها بالتالي تتمتع ببنية بيروقراطية أكثر متانة من تلك الحكومات ذات التعداد السكاني الأعلى. براندنبيرغ في بروسيا مثال كلاسيكي على التكلفة العالية للموارد المتاحة، فالمجهودات البروسية لبناء جيش نظامي يكافئ جيرانها القاريين الكبار خلقت بنية هائلة للدولة إذ عسكرت كثيرًا من جوانب الحياة الإجتماعية الألمانية وجعلتها أكثر بيروقراطية.
في حالة الاستخراج، كلما كان المجموع الذي تُستخرج منه الموارد أصغر وكلما قل تمتع الاقتصاد بالصبغة التجارية، كلما كان استخراج الموارد لتغذية الحرب ونشاطات الحكومية الأخرى أصعب -هذا في حال تساوت العوامل الأخرى- وبالتالي كلما كان الجهاز المالي أكثر توسعاً. إن حالة إنجلترا بما تتمتع به من مجموع موارد كبير نسبيًا و ذو صبغة تجارية توضح متانة هذا الافتراض ، إذ لم تحتج إلا إلى جهاز مالي صغير نسبياً. كما يحاجج جبرائيل ارنت (Gabriel Ardant) فإن اختيار الاستراتيجية المالية ربما قاد إلى تغير إضافي. و بالعموم فإن جمع الضرائب على الأرض أكثر تكلفة من جمع الضرائب على التجارة خاصة وأن التدفق الكبير لهذه التجارة يمكن التحكم به من خلال نقاط تفتيش. موقع الدنمارك على مدخل بحر البلطيق منحها فرصة استثنائية للإثراء من إيرادات الجمارك.
أما فيما يتعلق ببناء الدولة (في معناه الضيق كتحييدٍ أو قضاءٍ على الخصوم المحليين لأولئك الذين يحكمون الدولة)، فإن المنطقة المأهولة باقطاعيين عظام أو جماعات دينية متمايزة تكلّب المحتلّ تكلفة أعلى من منطقة تكون فيها القوة متفتتة أو تتسم ثقافتها بالتجانس. السويد المتجانسة والمفككة وذات العدد السكاني الصغير والتي امتازت بأجهزة حكم فعالة تعطينا مثالًا لهذه الحالة.
أخيراً فإن تكلفة الحماية (بمعناها كتحييد أو قضاء على أعداء زبائن بناة الدول) تزيد مع توسع مدى الحماية. جهود البرتغال لمنع منافسي تجارها في مجال التوابل من الإبحار في البحر المتوسط تقدم لنا مثالا كلاسيكيا على فشل جهود الحماية إذا لم تؤسس لبنية ضخمة.
بناء على ذلك، فإن حجم الحكومة بحد ذاته قد تناسب طرديا وبشكل مباشر مع جهود الاستخراج، وبناء الدولة، والحماية وبشكل خاص صناعة الحرب، و عكسياً مع مدى تحول الاقتصاد إلى النشاط التجاري ومدى اتساع قاعدة الموارد. بل و الأكثر من ذلك، فإن التضخم النسبي في ملامح الحكومة المختلفة تناسب مع معدلات التكلفة/المورد في الاستخراج، وبناء الدولة، والحماية وصناعة الحرب. ففي حالة اسبانيا نرى كيف أن التضخم في الديوان والمحاكم جاء نتيجة لمجهودات قرون في اخضاع الأعداء بينما تدهشنا حالة هولنده في كيفية نمو جهازها المالي الصغير عبر الضرائب العالية في اقتصاد غني وتجاري.
من الواضح أن صناعة الحرب، و الاستخراج، و صناعة الدولة والحماية جميعها متبادلة الاعتماد على بعضها البعض. ويمكن القول بشكل عام جداً أن التجربة الكلاسيكية لبناء الدولة الأوروبية قد تبعت النموذج السببي التالي:
في تسلسل مثالي، كان الزعيم العظيم يقوم بشن الحرب بشكل فعال ما جعله مهيمناً على مساحة كبيرة من الأرض ، غير أن صناعة الحرب هذه قادت إلى تعاظم الاستخراج لوسائل الحرب -الرجال، الأسلحة، الغذاء، الإيواء، النقل، الامدادات أو/و المال لتوفير كل ما سبق- من السكان على هذه الأرض. بناء القدرة على شن الحرب زاد من القدرة على الاستخراج ، فنشاط الاستخراج ذاته، في حال نجاحه، تضمّن القضاء على الخصوم المحليين لهذا الزعيم العظيم أو تحييدهم أو التعاون معهم، الأمر الذي قاد إلى بناء الدولة. كنتيجة ثانوية استحدث نشاط الاستخراج تنظيمات على شكل وكالات جمع ضرائب، و قوات شرطة، و محاكم، و خزينة دولة، و مدققي حسابات، وبالتالي قاد مرة أخرى إلى بناء الدولة. و بدرجة أقل، فإن صناعة الحرب أيضاً قادت إلى بناء الدولة عبر توسع التنظيم العسكري نفسه حيث نمى الجيش النظامي، والصناعات الحربية، والتنظيمات البيروقراطية المساندة، و (فيما بعد) المدارس داخل جهاز الدولة. كل هذه البنى كبحت جماح أي خصوم أو معارضين محتملين. وفي خضم صناعة الحرب، و استخراج الموارد وبناء أجهزة الدولة، قام الذين يديرون هذه الدول بتشكيل تحالفات مع طبقات اجتماعية معينة ، إذ أن أعضاء هذه الطبقات كانوا قد أقرضوا موارد، و وفروا خدمات تقنية أو ساعدوا في ضمان طاعة بقية السكان، وقاموا بكل ذلك مقابل أن توفر لهم الدولة الحماية ضد خصومهم وأعدائهم. كنتيجة لهذه الخيارات الاستراتيجية المتعددة، ظهرت أجهزة دولة متمايزة ضمن كل قطاع أساسي في القارة الأوروبية.
كيف تتشكل الدول
إذا صح هذا التحليل فسيكون لدينا نتيجتين ضمنيتين مهمتين فيما يتعلق بتطور الدول القومية. الأول، أن المقاومة الشعبية لصناعة الحرب وبناء الدولة صنعت فرقًا. عندما كان الناس العاديون يقاومون بشراسة فإن السلطات كانت تقدم التنازلات: ضمانات للحقوق، و مؤسسات تمثيل ومحاكم استئناف. هذه التنازلات بدورها قيدت المسارات اللاحقة لبناء الدولة وصناعة الحرب. لكن من المهم أن نؤكد أن التحالفات مع فئات من الطبقة الحاكمة كانت تزيد بشكل كبير من تأثير الفعل الشعبي ، قالتعبئة العريضة للنبلاء ضد تشارلز الأول (Charles I) ساعدت في إعطاء الثورة الانجليزية عام ١٦٤٠م تأثيرًا عظيمًا على المؤسسات السياسية يفوق تأثير حالات التمرد العديدة التي حدثت في عهد عائلة تيودور.
الاستنتاج الثاني هو أن التوازن النسبي بين صناعة الحرب، والحماية، والاستخراج وصناعة الدولة أثّر بشكل كبير في تنظيم الدولة التي تولّد من هذه الأنشطة الأربعة. إذا استمرت صناعة الحرب ولم يرافقها إلا القليل -نسبيا- من الاستخراج والحماية وبناء الدولة، فإن القوات العسكرية سينتهي بها الأمر للعب الدور الأكبر والأكثر استقلالاً في السياسة القومية، وهو ما قد تعطينا أسبانيا أفضل مثال أوروبي عليه. أما إذا طغت الحماية على صناعة الحرب والاستخراج وصناعة الدولة، كما في حالتي البندقية وهولنده، فإن أوليغارشية الطبقات المحمية ستهيمن في الأغلب على السياسة القومية. وإذا هيمنت عملية بناء الدولة نسبيًا ظهر لدينا تعقيد غير متسق في السياسات والرقابة والذي تمثل الدول البابوية حالته المتطرفة. قبل القرن العشرين كان نطاق انعدام التوازن القابل للعيش محدودًا إلى حد كبير ، فأي دولة تفشل في تخصيص مجهود كبير لصناعة الحرب غالبا ما كانت تتلاشي. إلا أنه مع حلول القرن العشرين أصبح من الشائع بشكل متزايد أن تمنح دولة ما وسائل صناعة الحرب أو تبيعها إلى أخرى، في هذه الحالات يمكن للدولة المتلقية أن تخصص جهودًا غير متكافئة في الاستخراج أو الحماية أو صناعة الدولة ومع ذلك تبقى على قيد الحياة. في وقتنا هذا، تقدم الدول التابعة للولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي أمثلة كثيرة.
لكن هذا النموذج المبسط يهمل العلاقات الخارجية التي صاغت الدولة القومية. في بدايات عملية ظهور الدولة، ظل التمييز بين “داخلي” و”خارجي” غير واضح تماما كعدم وضوح التمييز بين قوة الدولة وقوة الزعماء المتحالفين معها. لاحقا، قامت ثلاثة تأثيرات متداخلة بربط أي دولة قومية بالشبكة الأوروبية للدول. أولاً، تدفق الموارد على شكل ديون و إمدادات، خاصة الديون و الإمدادات المخصصة لصناعة الحرب. ثانياً، التنافس بين الدول للهيمنة على المناطق المتنازع عليها والذي حفز صناعة الحرب ومحى بشكل مؤقت التمييز بين بناء الدولة وصناعة الحرب والاستخراج. وثالثاً، التحالفات المتقطعة التي تشكلت بين الدول التي كانت توحد جهودها بشكل مؤقت لتفرض على دولة ما شكلاً و موقعاً معينين داخل الشبكة العالمية من الدول. إن تحالف صناعة الحرب ليس إلا مثالًا واحد فهناك تحالفات صناعة السلم و التي لعبت دورًا أكثر أهمية: فمنذ عام ١٦٤٨م ، إن لم يكن قبل ذلك، جنحت مؤقتاً كل الدول الأوروبية الفعالة في نهاية الحروب إلى التفاوض على الحدود وعلى الألوية التي قاتلت مؤخراً. من تلك النقطة فصاعداً، تدفقت وبشكل مفاجئ فترات من إعادة الترتيب الشامل لنظام الدولة الأوروبية عند تسوية الحروب واسعة الانتشار. بعد كل حرب كبيرة، في الغالب، كان يخرج عدد أقل من الدول القومية التي دخلتها.
الحرب كعلاقات دولية
في هذه الظروف تصبح الحرب هي الشرط الاعتيادي للنظام العالمي للدول ، والوسيلة الاعتيادية لأن تحسّن دولة ما موقعها أو أن تدافع عنه في هذا النظام. لماذا الحرب؟ ليست لدينا إجابة سهلة لأن الحرب كوسيلة قوية تخدم أكثر من غرض واحد. لكن بالتأكيد جزء من الإجابة يعود بنا إلى الآليات المركزية لبناء الدولة: إن المنطق الذي يقوم من خلاله زعيم ما بتوسيع المحيط الذي يحتكر العنف داخله أو الدفاع عنه ، مضاعفًا بذلك مدخوله من الاتاوات، يتداخل على مدى أوسع مع منطق الحرب. في الفترات المبكرة من عملية بناء الدولة كان الخصوم الداخليون والخارجيون يتداخلون إلى حد كبير. الخط الفاصل بين الداخلي والخارجي أصبح حادا وواضحا فقط بعد التأسيس لمحيطات سيطرة واسعة يقوم الزعماء الكبار بتقييد خصومهم داخلها. جورج مودليسكي (George Modelski) يلخص هذا المنطق التنافسي بشكل مقنع:
“القوة العالمية … تعزز من قوة تلك الدول التي تحوز عليها في مقابل كل التنظيمات السياسية وغير السياسية. الأكثر من ذلك، أن الدول الأخرى التي تنافس في لعبة القوة العالمية تطور أشكالًا تنظيمية مشابهة وصلابة مشابهة: هم ايضاً يتحولون إلى دول-أمة – إما في صورة ردة فعل دفاعية حين يُجبرَون على الاختلاف مع قوة عالمية أو مواجهتها كما واجهت فرنسا اسبانيا ولاحقا بريطانيا، أو في صورة محاكاة لنجاح القوة العالمية الواضح وفعاليتها. كما تبعت ألمانيا نموذج بريطانيا كقوة عالمية (Weltmacht) أو كما قام بيتر العظيم (Peter the Great) قبل ذلك بإعادة بناء روسيا على المفاهيم والنماذج الهولندية. لذلك لم تكن البرتغال و هولنده و بريطانيا و الولايات المتحدة هي الوحيدة التي أصبحت دول-أمة بل إسبانيا و فرنسا و ألمانيا و روسيا واليابان كذلك. لماذا نجحت هذه الدول بينما ’فشلت معظم الجهود الأوروبية في بناء دول؟‘ الجواب القصير، والشحيح جداً، هو أن هذه الدول إما كانت قوى عالمية أو أنها حاربت بشكل ناجح مع أو ضد قوى عظمى” (١٢).
إن منطق البناء العالمي للدولة يترجِم على نطاق أكبر منطق البناء المحلي. فالخارجي يكمل الداخلي.
إذا تبعنا التمييز الهش بين عمليات بناء الدولة “الخارجية” و”الداخلية” سيمكننا ربما رسم تصور للتاريخ الأوروبي لبناء الدولة في ثلاثة مراحل: (أ) النجاح المتفاوت لبعض أصحاب السلطة في صراعاتهم “الخارجية” يؤسس لفرق بين حيز “خارجي” و آخر “داخلي” لنشر القوات العسكرية ، (ب) التنافس “الخارجي” يولد بناء دولة “داخلي” ، (ج) الاصطفاف “الخارجي” بين الدول يترك أثراً أقوى على شكل وموقع دول معينة. من هذا المنظور، فإن المنظمات المانحة لتراخيص الدول كالأمم المتحدة وعصبة الأمم تمدد ببساطة عملية بناء الدولة المتمركزة في أوروبا إلى العالم كله. لقد أكمل إنهاء الاستعمار ببساطة هذه العملية التي من خلالها تجتمع الدول الموجودة لخلق دول جديدة سواء تم ذلك بالإجبار أو بشكل طوعي، و سواء تم ذلك بالسلم أو بالدم.
لكن تمدد عملية بناء الدولة وفقًا للنموذج الأوروبي إلى بقية العالم لم ينتج عنه خلق دول على الصورة الأوروبية بشكل دقيق. بشكل عام، أنتجت الصراعات الداخلية كتقييد زعماء المناطق الكبار وفرض الضرائب على فلاحي القرى سمات تنظيمية مهمة للدول الأوروبية: خضوع القوة العسكري النسبي للحكم المدني، البيروقراطية الموسعة للرقابة المالية، وتمثيل المصالح المظلومة من خلال العرائض والبرلمان. أما الدولة في باقي العالم فقد تطورت إجمالا بشكل مختلف. أبرز سمة يظهر فيها الفرق هي التنظيم العسكري. فالدول الأوروبية بنت أجهزتها العسكرية عبر صراعات مستدامة مع السكان التابعين لها و عبر توفير الحماية انتقائيًا لطبقات مختلفة ضمن هؤلاء السكان. اتفاقيات الحماية قيدت الحكام أنفسهم وجعلتهم معرضين للمحاكم والمجالس التمثيلية وسحب الثقة والخدمات والخبرات.
إلى حد بعيد، فإن الدول التي ولدت حديثًا عبر التحرر من الاستعمار أو عبر إعادة تقسيم الدول المهيمنة لأراضيها حصلت على التنظيم العسكري من الخارج، من غير صياغات شبيهة من التقييد المتبادل بين الحكام والمحكومين. ومع استمرار الدول الخارجية في تزويدها بالبضائع والخبرات العسكرية مقابل سلع أو تحالف عسكري أو الإثنين معاً، فإن الدول الجديدة تتمتع بتنظيمات قوية وغير مقيدة تطغى بسهولة على كل التنظيمات الأخرى داخل أراضيها. ومادامت الدول الخارجية تضمن لهم حدودهم ، فإن مدراء هذه التنظيمات العسكرية يمارسون سلطة استثنائية داخل هذه الحدود. إن تفوق القوة العسكرية أصبح هائلا، وحوافز توظيف هذا التفوق للاستيلاء بالقوة على الدولة ككل أصبحت قوية جدًا. بالرغم من مركزية صناعة الحرب في بناء الدول الأوروبية ، إلا أن الدولة القومية القديمة في أوروبا لم تواجه هذا التفاوت العظيم بين التنظيم العسكري وبين أشكال التنظيم الأخرى، الأمر الذي يبدو أنه مصير الدول التابعة في جميع أنحاء العالم المعاصر. قبل قرن من الزمان، ربما كان بوسع الأوروبيون أن يهنئوا أنفسهم على انتشار الحكومات المدنية في أرجاء العالم، أما في وقتنا هذا، فإن تشبيه صناعة الحرب وبناء الدولة بالجريمة المنظمة يصبح ملائمًا بشكل مأساوي.
(١). Arthur L. Stinchcombe, Constructing Social Theories (New York: Harcourt, Brace & World, 1968), p. 150; italics in the original.
(٢). Fernand Braudel, La Mediterranee et le monde mkditerranken a l’epoque de Philippe II (Paris: Armand Colin, 1966), vol. 2, pp. 88-89.
(٣). Lawrence Stone, The Crisis of the Aristocracy (Oxford: Clarendon Press, 1965), p. 200.
(٤). Dietrich Gerhard, Old Europe: A Study of Continuity, 1000-1800 (New York: Academic Press, 1981), pp. 124-25.
(٥). Jan de Vries, The Economy of Europe in an Age of Crisis, 1600-1750 (Cambridge: Cambridge University Press, 1976).
(٦). V. G. Kiernan, State and Society in Europe, 1550-1650 (Oxford: Blackwell, 1980), p. 104. For French finances, see Alain Guery, “Les Finances de la Monarchie Francaise sous l’Ancien Regime,” Annales Economies, Societes, Civilisations 33 (1978), p. 227.
(٧). Earl J. Hamilton, “Origin and Growth of the National Debt in France and England,” in Studi in onore di Gino Luzzatto (Milan: Giuffre, 1950), vol. 2, p. 254.
(٨). المرجع السابق، صفحة 247 و 249
(٩). المرجع السابق، صفحة 254
(١٠). G. R. Elton, “Taxation for War and Peace in Early-Tudor England,” in War and Economic – Development: Essays in Memory of David Joslin, ed. J. M. Winter (Cambridge: cambridge university Press, 1975), p. 42
(١١). Peter Mathias, The Transformation of England: Essays in the Economic and Social History of England in the Eighteenth Century (New York: Oxford University Press, 1979), p. 122.
(١٢). George Modelski, “The Long Cycle of Global Politics and the Nation State,” Comparative Studies in Society and History 20 (1978): 231.
قائمة المراجع
Ames, Edward, and Richard T. Rapp. “The Birth and Death of Taxes: A Hypothesis.” Journal of Economic History 37 (1977): 161-78.
Ardant, Gabriel. “Financial Policy and Economic Infrastructure of Modern States and Nations.” In The Formation of National States in Western Europe, edited by Charles Tilly. Princeton, N.J.: Princeton University Press, 1975.
Badie, Bertrand. Le developpement politique. 2nd ed. Paris: Economica, 1980.
Badie, Bertrand, and Pierre Birnbaum. Sociologie de L’Etat. Paris: Bernard Grasset, 1979.
Bayard, Francoise. “Fermes et traites en France dans la premiere moitie du XVIIe siecle (premiere esquisse 1631-1653).” Bulletin du Centre d’Histoire, Economique Sociale de la Region Lyonnaise, no. 1 (1976): 45-80.
Bean, Richard. “War and the Birth of the ati ion State.” Journal of Economic History 33 (1973): 203-21.
Blockmans, W. P. “A Typology of Representative Institutions in Late Medieval Europe.” Journal of Medieval History 4 (1978): 189-215.
Blok, Anton. The Mafia of a Sicilian Village, 1860-1960: A Study of Violent Peasant Entrepreneurs. Oxford: Blackwell, 1974.
Bonney, Richard. Political Change under Richelieu and Mazarin, 1624-1661. Oxford: Oxford University Press, 1978.
Braudel, Fernand. La Mediterranee et le monde mediterraneen a l’epoque de Philippe II. 2d ed. 2 vols. Paris: Armand Colin, 1966.
Civilisation materielle, economie, et capitalisme, XVe-XViiie siecle. 3 vols. Paris: Armand Colin, 1979.
Braun, Rudolf. “Taxation, Sociopolitical Structure, and State-Building: Great Britain and Brandenburg-Prussia.” In The Formation of National States in Western~Europe, edited by Charles Tilly. Princeton, N. J.: Princeton University Press, 3975. “Steuern und Staats Finanzierung als Modernisierung Faktoren: Fin deutsch-I englischen Vergleich.” In Studien zum Beginn der modernen Welt, edited by Reinhard Koselleck. Stuttgart: Klett-Cotta, 1977.
Carneiro, Robert. “Political Expansion as an Expression of the Principle of Com-
petitive exclusion. In Origins of the State, edited by Ronald Cohen and Elman R. Service. Philadelphia: Institute for the Study of Human Issues 1978.
Carsten, F. L. The Origins of Prussia. Oxford: Clarendon Press, 1954.
Chapman, Brian. Police State. London: Pall Mall, 1970.
Cipolla, Carlo M. Guns, Sails, and Empires: Technological Innovation and the Early Phases of European Expansion 1400-1700. New York: Pantheon Press, 1965.
Clark, Sir George. “The Social Foundations of States.” In The Nao Cambridge Modern History, vol. 5, The Ascendancy of France, 1648-88, edited by F. L. Carsten. Cam-
bridge: Cambridge University Press, 1969.
Cooper, J. P. “Differences between English and Continental Governments in the Early Seventeenth Century.” In Britain and the Netherlands, edited by J. S. Bromley and E. H. Kossmann, London, Chatto & Windus, 1960.”General Introduction.” In The New Cambridge Modern History, vol. 4, The Decline of Spain and Thirty Years War, 1609-58159, edited by J. P. Cooper. Cam- John, A. H. “Wars and the British Economy, 1700-1763.” Economic History Review, bridge: Cambridge University Press, 1970. 2d ser., 7 (1955): 329-44.
Davis, Lance E. “It’s a Long, Long Road to Tipperary, or Reflections on Organized Violence, Protection Rates, and Related Topics: The New Political History.” Journal of Economic History 40 (1980): 1-16.
Dent, Julian. Crisis in Finance: Crown, Financiers, and Society in Seventeenth-Century France. Newton Abbot, United Kingdom: David & Charles, 1973.
Dickson, P. G. M. The Financial Revolution in England: A Study in the Public Credit, 1688-1756. London: St. Martin’s Press, 1967.
Elton, G. R. “Taxation for War and Peace in Early-Tudor England.” In War and Economic Development: Essays in Memory of David Joslin, edited by J. M. Winter. Cambridge: Cambridge University Press, 1975.
Finer, Samuel E. “State-building, State Boundaries, and Border Control.” Social Science Information 13 (1974): 79-126.”State- and Nation-Building in Europe: The Role of the Military.” In The Formation of National States in Western Europe, edited by Charles Tilly. Princeton, N.J.: Princeton University Press, 1975.
Fueter, Edward. Geschichte des europaischen Staaten Systems von 1492-1559. Munich: Oldenbourg, 1919.
Gerhard, Dietrich. Old Europe: A Study of Continuity, 1000-1800. New York: Academic Press, 1981. Press, 1966; originally 1942.
Gooch, John, Armies in Europe. London: Routledge & Kegan Paul, 1980.
Guenee, Bernard. “Y a-t-il un Etat des XIVe et XVe siecles?’Annales Economies, Societes, Civilisations 36 (1981): 399-406.
Guery, Alain. “Les finances de la monarchie francaise sous l’Ancien Regime, Annales Economies, Societes, Civilisations 33 (1978), 216-39.
Hale, J. R. “Armies, Navies, and the Art of War.” In The New Cambridge Modern History, vol. 2, The Reformation 1520-1559, edited by G. R. Elton. Cambridge: Cambridge University Press, 1968.
“Armies, Navies, and the Art of War” (sic). In The New Cambridge Modern History, vol. 3, The Counter-Reformation and Price Revolution, 1559-1610, edited by caise de Sociologie 2 (1961): 66-74. Cambridge: Cambridge University Press, 1968.
Hamilton, Earl J. “Origin and Growth of the National Debt in France and England.” In Studi in onore di Gino Luzzatto, vol. 2. Milan: Giuffre, 1950.
Harding, Robert R. Anatomy of a Power Elite: The Provincial Governors of Early Modern France. New Haven, Conn.: Yale University Press, 1978.
Hechter, Michael, and William Brustein. “Regional Modes of Production and Patterns of State Formation in Western Europe.” American Journal of Sociology 85 (1980): 1061-94.
Hintze, Otto. Staat and Verfassung: Gesammelte Abhandlungen zur allgemeinen Verfassungsgeschichte. Edited by Gerhard Oestreich. Gottingen:Vandenhoeck & Ruprecht, 1962; originally 1910.
Howard, Michael. War in European History. Oxford: Oxford University Press, 1976.
James, M. E. Change and Continuity in the Tudor North: The Rise of Thomas First Lord Wharton. Borthwick Papers no. 27. York: St. Anthony’s Press, 1965.
“The First Earl of Cumberland (1493-1542) and the Decline of Northern Feudalism.” Northern History 1 (1966): 43-69.
“The Concept of Order and the Northern Rising, 1569.” Past and Present 60 (1973): 49-83.
John, A. H. “Wars and the British Economy, 1700-1763.” Economic History Review 2d ser., 7 (1955): 329-44.
Kiernan, V. G. “Conscription and Society in Europe before the War of 1914-18.” In War and Society: Historical Essays in Honour and Memory of J. R. Western, 1928- 1971, edited by M. R. D. Foot. London: Elek Books, 1973.
van Klaveren, Jacob. “Die historische Erscheinung der Korruption.” Vierteljahrsschrift fur Sozial- und Wirtschaftsgeschichte 44 (1957): 289-324.
“Fiskalismus – Merkantilismus – Korruption: Drei Aspekte der Finanz- und Wirtschaftspolitik wahrend des Ancien Regime.” Vierteljahrsschrift fir Sozial- und Wirtschaftsgeschichte 47 (1960): 333-53.
Ladero Quesada, Miguel Angel. “Les finances royales de Castille a la veille des temps modernes. ” Annales Economies, Societes, Civilisations 25 (1970): 775-88.
Lane, Frederic C. “Force and Enterprise in the Creation of Oceanic Commerce.” In The Tasks of Economic History (Supplemental issue of the Journal of Economic History 10 [1950]), pp. 19-31.
“Economic Consequences of Organized Violence.” Journal of Economic History 18 (1958): 401-17.
“The Economic Meaning of War and Protection.” In Venice and History: The Collected Papers of Frederic C. Lane. Baltimore, Md.: Johns Hopkins University demic Press, 1981. Press, 1966; originally 1942.
“The Role of Government in Economic Growth in Early Modem Times.” Journal of Economic History 35 (1975): 8-17; with comment by Douglass C. North and Robert Paul Thomas, pp. 18-19.
Levi, Margaret. “The Predatory Theory of Rule.” In The Microfoundations of Macrosociology, edited by Michael Hechter. Philadelphia: Temple University Press, 1983
Ludtke, Alf. “Genesis und Durchsetzung des modernen Staates: Zur Analyse von Herrschaft und Verwaltung.” Archiv fur Sozialgeschichte 20 (1980): 470-91.
Lyons, G. M. “Exigences militaires et budgets militaires aux U.S.A.” Revue Francaise de Sociologie 2 (1961): 66-74.
Mathias, Peter. “Taxation and Industrialization in Britain, 1700-1870.” In The Transformation of England: Essays in the Economic and Social History of England in the Eighteenth Century, edited by Peter Mathias. New York: Oxford University Press, 1979.
Michaud, Claude. “Finance et guerres de religion en France.” Revue d’Histoire Moderne et Contemporaine 28 (1981): 572-96.
Modelski, George. “The Long Cycle of Global Politics and the Nation-State.” Comparative Studies in Society and History 20 (1978): 214-35.
Nef, John U. War and Human Progress: An Essay on the Rise of Industrial Civilization. Cambridge: Harvard University Press, 1952. precht, 1962; originally 1910.
Industry and Government in France and England, 1540-1640. Ithaca, N.Y.: Cornell Press, 1965.
North, Douglass C., and Robert Paul Thomas, The Rise of the Western World: A New
North, Douglass C., and Robert Paul Thomas, The Rise of the Western World: A New Economic History. Cambridge: Cambridge University Press, 1973.
O’Donnell, Guillermo. “Comparative historical Formations of the State Apparatus and Socio-economic Change in the Third World.” International Social Science Journal 32 (1980): 717-29.
Parker, Geoffrey. The Army of Flanders and the Spanish Road 1567-1659. Cambridge:
Cambridge University Press, 1972.
Peacock, Alan T., and Jack Wiseman. The Growth of Public Expenditure in the United Kingdom. Princeton, N.J.: Princeton University Press, 1961.
Poggi, Gianfranco. The Development of the Modern State: A Sociological Introduction. Stanford, Calif.: Stanford University Press, 1978.
Polisensky, Josef V. War and Society in Europe, 161 8-1 648. Cambridge: Cambridge University Press, 1978.
Pounds, Norman J. G., and Sue Simons Ball. “Core-Areas and the Development of the European States System.” Annals of the Association of American Geographers 54 (1964): 24-40.
Ramsay, G. D. The City of London in International Politics at the Accession of Elizabeth Tudor. Manchester: Manchester University Press, 1975.
Redlich, Fritz. The German Military Enterpriser and His Work Force. 2 vols. Wiesbaden: Steiner, 1964-65. Vierteljahr Schrift fur Sozial- und Wirtschaftsgeschichte, Beiheften 47, 48.
Riemersma, Jelle C. “Government Influence on Company Organization in Holland and England (1550-1650).” The Tasks of Economic History (Supplemental issue of the Journal of Economic History 10 [1950]), pp. 31-39.
Romano, Salvatore Francesco. Storia della mafia. Milan: Sugar, 1963.
Rosenberg, Hans. Bureaucracy, Aristocracy and Autocracy: The Prussian Experience, 1660- 1815. Cambridge: Harvard University Press, 1958.
Russett, Bruce M. What Price Vigilance? The Burdens of National Defense. New Haven, Conn.: Yale University Press, 1970.
Schelling, Thomas C. “Economics and Criminal Enterprise.” The Public Interest 7” (1967): 61-78.
Steensgaard, Niels. The Asian Trade Revolution of the Seventeenth Century: The East lndia Companies and the Decline of the Caravan Trades. Chicago: University of Chi-
cago Press, 1974.
Stein, Arthur A., and Bruce M. Russett. “Evaluating War: Outcomes and Consequences.” In Handbook of Political Conflict: Theory and Research, edited by Ted Robert Gurr. New York: Free Press, 1980.
Stinchcombe, Arthur L. Constructing Social Theories. New York: Harcourt, Brace & World, 1968.
Stone, Lawrence. “State Control in Sixteenth-Century England.” Economic History Review 17 (1947): 103-20.
The Crisis of the Aristocracy, 1558-1641. Oxford: Clarendon Press, 1965.
Tenenti, Alberto. Piracy and the Decline of Venice, 1580-1615. Berkeley: University of California Press, 1967.
Torsvik, Per, ed. Mobilization, Center-Periphery Structures and Nation-Building: A Volume in Commemoration of Stein Rokkan. Bergen: Universitetsforlaget, 1981.
de Vries, Jan. “On the Modernity of the Dutch Republic.” Journal of Economic History 33 (1973): 191-202.
The Economy of Europe in an Age of Crisis, 1600-1750. Cambridge: Cambridge
University Press, 1976.
“Barges and Capitalism: Passenger Transportation in the Dutch Economy, 1632- 1839,” A. A.G. Bijdragen 21 (1978): 33-398.
Wijn, J. W. “Military Forces and Warfare 1610-48.” In The New Cambridge Modern History, vol. 4, The Decline of Spain and the Thirty Years War 1609-58159, edited by J. P. Cooper. Cambridge: Cambridge University Press, 1970.
Williams, Penry. “Rebellion and Revolution in Early Modern England.” In War and Society: Historical Essays in Honour and Memory of J. R. Western, 1928-1971, ed-
ited by M. R. D. Foot. London: Elek Books, 1973.
Wolfe, Martin. The Fiscal System of Renaissance France. New Haven, Conn.: Yale University Press, 1972.
Zolberg, Aristide R. “Strategic Interactions and the Formation of Modern States: France and England.” International Social Science Journal 32 (1980): 687-716.
المصدر: نظر، ٢٧ نوفمبر ٢٠١٦
المواد المنشورة لا تعبر عن رأي موقع الجماعة العربية للديمقراطية وإنما عن رأي أصحابها
صدر كتاب: الإنفتاح السياسي و الديمقراطية الحزبية في البحرين: دراسة ميدانية 2000 - 2011م
تأليف عباس ميرزا المرشد
أصدر مركز الخليج لسياسات التنمية مؤخراُ بالتعاون مع مكتبة آفاق كتاب "الإنفتاح السياسي و الديمقراطية الحزبية في البحرين: دراسة ميدانية 2000 - 2011م" بقلم عباس ميرزا المرشد. و تتناول هذه الدراسة تجربة الإنفتاح السياسي في البحرين مع التركيز على ثلاثة جمعيات سياسية مؤثرة كنماذج.
تتعدى أهمية هذه الدراسة ضفاف جزيرة البحرين، بل هي تتجاوز حدود الخليج لتطرح هموم تخالج العالم العربي أجمع عبر تركيزها على مفهوم "الديمقراطية الحزبية". كيف تنتقل الأحزاب ديمقراطياً؟ وما الذي يمكن للأحزاب السياسية أن تقوم به لكي تكتسب صفة الديمقراطية الحزبية الناجحة؟ وما الدور الذي تقوم به في عملية التحول إلى الحكم الديمقراطي؟ وكيف يمكن للأحزاب السياسية أن تشجع الدولة على توسيع هامش الديمقراطية والدخول في ترتيبات توافقية لعملية تقاسم السلطة؟
للتطرق الى هذه الأسئلة الجوهرية، يركز الكتاب على دراسة حالة التحولات التي طرأت على التيارات السياسية في البحرين في الفترة التي سميت ب"الاصلاح السياسي"، بين اطلاق ميثاق العمل الوطني في فبراير 2001، الى انطلاق الحركة الاحتجاجية الموسعة في فبراير 2011. ويرتكز الكتاب على دراسة ميدانية لثلاث جمعيات سياسية ذات توجهات مختلفة اشهرت نفسها رسميا في هذه الفترة، وهي جمعية المنبر الوطني الاسلامي، والتي تمثل تيار الإخوان المسلمين في البحرين، و جمعية الوفاق الإسلامي، والتي تمثل التيار الاسلامي الشيعي الأكبر في الجزيرة، وجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، والتي تمثل التوجه العروبي/ اليساري/ الليبرالي. والفرضية الأساسية التي تختبرها الدراسة هي: أن الانتقال الديمقراطي لا يمكنه النهوض إلا عبر وجود بنية أحزاب ديمقراطية تمارس الديمقراطية في أجهزتها، وتصوغ خطابها ومطالبها وفق القواعد الديمقراطية المتفق عليها، وبالتالي فإن إخفاق التنظيمات أو الاحزاب السياسية في تحقيق قدر كاف من الديمقراطية الداخلية يقود إلى انهيار عملية الإصلاح السياسي.
إن أهمية موضوع الدراسة، ومنهجها العلمي المحكم، وغزارتها المعلوماتية، وإثارتها لأسئلة وجودية تهم المنطقة بأكملها، يجعلها مرجعا أساسيا ليس فقط للمهتمين بالتطورات السياسية في البحرين، بل لأي دارس لحالة الديمقراطية و الأحزاب السياسية المعاصرة في شبه الجزيرة العربية و العالم العربي الأوسع.
اضغط هنــا للإطلاع على:
تقديم لمدير مركز الخليج لسياسات التنمية عمر الشهابي وفهرس الكتاب
الأفكار الواردة في الأوراق والمداخلات والتعقيبات لا تعبر عن رأي الموقع وإنما عن رأي أصحابها
دراسة: مستقبل الإصلاح في عمان
للكاتبة: بسمة مبارك سعيد
مجلة المستقبل العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية
عدد 444 شباط- فبراير 2016
http://www.caus.org.lb/PDF/EmagazineArticles/mustaqbal_444_basma_s3eed_mbarak.pdf
المواد المنشورة لا تعبر عن رأي موقع الجماعة العربية للديمقراطية وإنما عن رأي أصحابها