يضم الملف المرفق الورقة التي أعدها الدكتور علي خليفة الكواري بعنوان: "مفهوم المواطنة في الدولة الديمقراطية".
الأفكار الواردة في الأوراق والمداخلات والتعقيبات لا تعبر عن رأي موقع الجماعة العربية للديمقراطية وإنما عن رأي أصحابها.
ويرحب الموقع بأي تعليقات على الأفكار المطروحة في الورقة.
ندوة سيادة القانون ودورها في تعزيز السلم الأهلي بموريتانيا المنظمة من طرف منتدى الأواصر بالتعاون من المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الانسانية (مبدأ)
أقيمت في انواكشوط، فندق موريسانتر، 20 يونيو 2017 الموافق لـ25 رمضان 1438
مشروع تعزيز السلم الأهلي في لبنان
الكاتب النشرة الإخبارية لمشروع تعزيز السلم الأهلي في لبنان
يعمل مشروع تعزيز السلم الأهلي في لبنان التابع لبرنامج امم المتحدة انمائي الممول من الاتحاد الاوروبي على تحليل الاسباب الكامنة وراء النزاع في لبنان وتوفير مساحات آمنة ومشتركة للجماعات المحلية لمناقشة مخاوفها ًعلنا.
ونتيجة شراكة بين برنامج الامم المتحدة الانمائي والاتحاد الاوروبي عام 2011 تهدف إلى تعزيز السلم الاهلي في لبنان، يعزز المشروع التفاهم المتبادل والتماسك الاجتماعي على المستويات المحلية والوطنية بمختلف انواعها بما فيها الشباب والمدرسين ووسائل الاعلام والمنظمات غير الحكومية باضافة إلى المجالس البلدية والاختيارية.
كما يقوم المشروع بتنظيم برامج تدريبية لزيادة الوعي وبناء القدرات وتعزيز التواصل، ما يتيح للمعنيين بالسلم الاهلي وحل النزاعات فرصا أفضل للاسهام في الحوار الوطني على مستويات متعددة وفي بناء مجتمع متماسك وآمن.
ويدعم المشروع مبادرات لتعزيز الذاكرة الجماعية وإدخال مفاهيم بناء السلام عبر الوسائل التعليمية الرسمية وغير الرسمية ويعمل المشروع على إنشاء " لقاء" للمجتمع المدني لبناء السلام. ويمكن المشروع وسائل الاعلام التقليدية والبديلة لادارة التنوع والحد من كتابة التقارير الصحفية المنحازة.
باضافة إلى ذلك، يطور المشروع إستراتيجيات بناء السلام على المستوى المحلي للتخفيف من حدة التوتر في مناطق النزاع في لبنان كما يشجع الحوار بين الشباب الجامعي.
للإطلاع على النشرة الإخبارية كاملة يرجى تحميل الملف من المرفقات
المصدر: ملحق مشروع تعزيز السلم الأهلي، العدد الثالث من النشرة الإخبارية
من الواضح جداً أن المنطقة العربية، بل والإسلامية تعيشان حالة فراغ ثقافي منقطع النظير وهذا الفراغ هو الذي فتح الأبواب لصراعات ما كان لها أن تتم أو تحدث في حضور ثقافة جامعة بمعناها الروحي والوطني والإنساني.
لقد غابت الثقافة أو أنها غُيّبت لكي يتعرّى الواقع وليظهر بهذه الصورة المقزّزة حيث تحللت كل وشائج القربى ومشاعر الأخوة ليس داخل الإطار الكبير عربياً وإسلامياً وإنما داخل الأقطار التي كانت جزاءاً من أمة ذات حضارة رائدة وثقافة تحترم الإنسان، وتحترم في الوقت ذاته قيم الحق والخير والجمال.
ولا عجب بعد ذلك ان لا ينمو في واقع مفرغ من ثقافته الرصينة سوى كل ما هو قبيح وبشع ومتوحش، وفي مناخ كهذا لا عجب أيضاً أن يتحول الأخوة إلى أعداء والوطن إلى غنيمة يتقاسمها المتنازعون وقد يفوز بها كاملة الأكثر إيغالاً في التوحش واستخدام القوة.
وربما يكون قد سبق تغييب الثقافة بمعناها الوطني الإنساني تضييق مفهومها وحصره في الأدب شعراً ونثراً، رواية ومسرحاً، في حين أن مفهوم الثقافة أشمل وأوسع ولا يقبل التضييق وفيه مساحة واسعة للسلوك والارتقاء بمواقف الإنسان وتصرفاته، وتربيته على احترام الحياة، حياته هو وحياة الآخرين ممن يشاركونه العيش على هذه الارض في مكان قريب أو بعيد.
ومن يتأمل أمراض الواقع وما تفرزه من ردود أفعال عنيفة، يشعر بأهمية ثقافة التسامح والسمو على الأحقاد والضغائن، ثقافة المصالحة مع النفس أولاً، فالنفس العربية تعاني من انفصام ذاتي فاجع ومن تخلف مريع في النظرة إلى الواقع المحلي والإنساني وقد ترافق ذلك كله مع ضعف واضح في الالتزام بالمبادئ الدينية، والقيم الوطنية، وما يترتب على غياب ذلك الالتزام من غياب الوازع الداخلي من تبلد في الإحساس الوطني ومن الاستهانة بكل شيء نبيل ومفيد.
لقد نجحت الأنظمة العربية التي تعاقبت على الحكم في اقصاء الثقافة عن مدارها الصحيح، وفي إفراغها من دورها الفاعل في حياة الناس، كما نجحت في شحنها بكل ما ليس وطنياً ولا إنسانياً، ثقافة لا تقاوم الظلم ولا تدين العنف ولا تدعو إلى المحبة والمواطنة والتضحية في سبيل الوطن لا في سبيل الاشخاص مهما كان دورهم رائعاً ومميزاً.
ولم يكن هذا الواقع المتخلف والمزري ليظهر فجأة على سطح الواقع، لو لم تسبقه ارهاصات وتراكمات سياسية، وثقافية عدوانية قاتلة تحّرض المجتمع على المجتمع وتحّرض الإنسان على أخيه الإنسان، ولا يمكن في يوم وليلة في عام أو عامين أن تنمو مثل هذه الثقافة المنحرفة وتأخذ مكانتها في واقع الناس على هذا النحو المدمر غير المسبوق.
والسؤال الذي لا نسأله لأنفسنا، وهو من الخطورة بمكان، هو: ماذا ينتظرنا وينتظر أقطارنا المتنازعة من الجيل الجديد، الجيل الذي يتكون على أصوات المدافع وأنين الطائرات؟ أي مهمة تنتظر هذا الجيل وأي دور يمكن أن يقوم به وهو نتاج طبيعي للأحداث الراهنة وثقافتها المنحرفة؟ إن الصورة لتبدو قاتمة تجترّ ما هو قاتم وتعكس مخلفاته وأثاره.
والإجابة على سؤال كبير وخطير كهذا متروك للأيام، وللزمن الذي لا تتوقف حركته مهما كان الواقع بائساً وجامداً.
فقدت معظم الأحزاب السياسية في الجزائر، بما فيها تلك الحاكمة، كل مصداقية لها، في صفوف الجماهير المسحوقة، ورغم ما تتمتع به هذه الأحزاب، من زخم ومن إمكانات مادية، متمثلة أساسا في المقرات الحزبية، والأموال، إلا أنها فشلت فشلا ذريعا في تقديم مرشحين أكفاء، يحظون بالثقة، والاحترام، من طرف ملايين الناخبين الجزائريين، على مستوى جميع االس المنتخبة بدءا بالبرلمان ووصولا إلى االس البلدية والولائية، وذلك طيلة 50 عاما من الاستقلال، و 22 عاما من إقرار التعددية الحزبية والسياسية.
إن هذه الورقة البحثية، عبارة عن محاولة لتشخيص واقع العمل السياسي للأحزاب الجزائرية، ودورها في عملية التنمية السياسية، التي هي بالأساس زيادة في مستوى التمايز البنيوي والتخصص الوظيفي في النظام السياسي، قصد التمكن من الاستجابة لمختلف الحاجات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، وضبط النزاعات، وتلبية المطالب المستعجلة، والتوجه نحو المساواة، من خلال المشاركة السياسية، والانتقال من ثقافة الخضوع والتصفيق، إلى ثقافة المشاركة والنقد من خلال الاقتراع العام، أو من خلال زيادة مساحات التعبئة السياسية، إضافة إلى القضية الجوهرية في ورقتنا والمتعلقة بتولي الوظائف العامة عن جدارة واستحقاق.
إن ضعف الأحزاب السياسية في الجزائر، وانعدام الفعالية لديها، ساهم في تكريس التخلف والفقر، والجهل لدى عامة الشعب، وتشير الدراسات والإحصاءات أن هذه الأحزاب أخفقت في بناء تنظيمات حزبية، قوية،و نشطة ذات كفاءة ، تمتلك الاقتدار على قيادة عملية البناء والتغيير، ومن ثم حصل فشل ذريع في تعزيز الاستقرار العام، والسلم الاجتماعي على وجه الخصوص.
إن البناء الوطني لا يتحقق ،إلا من خلال ترشيح الأكفاء، مهما كانت قناعاهم ،وانتماءاتهمن وتطوير القوانين والتشريعات، بما يساير حركة المجتمعات نحو الحداثة والتمدن، وإعادة تنظيم المؤسسات العامة كالبرلمان، والولاية والبلدية والانتقال بعد ذلك بمفاهيم التكيف والولاء، والانتماء والمشاركة، من مراحلها النظرية ، إلى فضائها العملي والتطبيقي الفاعل، والمؤثر في الأفراد والمجموعة.
إن مسؤولية الأحزاب السياسية في إنقاذ الأمة بترشيح وتمكين الأكفاء من قيادة اتمع ،تعد مسؤولية تاريخية جسيمة، لا تقل أهمية عن قضايا العلا ج والمأك ل والمسكن للمجتمع، لأنها تمتلك الحرية المطلقة (في غياب القانون الذي ينص على شروط الترشح في جانب الكفاءة بكافة مشمولاتها) في ترشيح الأفراد، بدل صرف الجهود في السعي وراء المغانم السياسية وتعطيل مصالح المجموعة الوطنية والاستمرار في أساليب الخداع بإصدار البيانات وإلقاء الخطب والتنديد بالواقع.
يبدو لي أن الانتخابات التشريعية الأخيرة في الجزائر كانت آخر مسمار دق في نعش الديمقراطية، والممارسة السياسية الفاعلة والإيجابية، هذا ليس تجنيا وحكما بظهر الغيب، بقدر ما هو قراءة في تركيبة هذا المجلس الذي ضم في صفوفه كل أطياف المجتمع، من بطالين وتجار وحرفيين ونساء ماكثات بالبيت لم يسبق لهن أن سمعن عن البرلمان ولا عن وظيفته أو مهامه الجسيمة، ذلك أن المال المشبوه، وثقافة الطاعة والولاء لقائد الحزب، هي المقياس الوحيد للوصول إلى سدة البرلمان.
وعلى العموم فإن هذه الورقة البحثية ستركز على قراءة بنية وتوجه الأحزاب السياسية الفاعلة في جزائر اليوم، والكفاءة والنزاهة بين الخطابات الحزبية والولاءا ت الشخصية، وآثار السياسات والممارسات التي تقوم بها هذه الأحزاب على السلم الاجتماعي في المديين المتوسط والبعيد، وتتضمن الخاتمة أهم نتائج هذه الورقة البحثية.
المصدر: مجلة دراسات وأبحاث المجلة العربية في العلوم الإنسانية والاجتماعية
للإطلاع على الدراسة كاملة يرجى تحميلها من المرفقات بالأسفل
خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن
القسم الأول
تأليف : العلامة محمد أمين زكي بك
تقديم : أ.د. كمال مظهر أحمد
نقله إلى العربية وعلق عليه : الأستاذ محمد علي عوني
مطبعة :دار الشؤون الثقافية بغداد
الطبعة الثانية 2005 بغداد
لم تكن اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت الدول العربية إلى ما هي عليه اليوم تسعى لتقسيم الحدود فقط، بل كانت في هذا تسعى إلى تقسيم العرب على أُسس هوياتية ليمهَد هذا التقسيم الهوياتي الطريق أمام أي مشروع استعماري أو أي مشروع احتلال، ويكون أيضاً طريقاَ ممهداً أمام أي مشروع لتقسيم اَخر في المنطقة العربية.
تمر منطقتنا العربية في أصعب مراحلها وأخطرها منذُ قرون، فالحروب والنزاعات المسلحة والاضطرابات السياسية لاتكاد تختفي من أي بلد عربي. ولهذا، فإن منطقتنا العربية تعتبر أرضا خصبة منذ فترة طويلة لمثل هذه الاضطرابات والنزاعات المسلحة، ولهذا الأمر عدة أسباب أهمها: تغليب الهوية الفرعية على الهوية العربية الجامعة، والذي نتج عنه انكفاء قُطري حاد ساهم في وجود انقسام مجتمعي وسياسي عربي.
قبل البدأ في الحديث عن الانقسام المجتمعي والسياسي في العالم العربي، علينا أن نؤكد هنا أن هذا الانقسام الذي نشاهده اليوم في دولنا العربية أثبت فشل تغليب الهويات الفرعية على حساب الهوية العربية الجامعة، بمعنى أنه لو كان لهذه الهويات الفرعية واقع يرى فيه المواطن العربي نفسه من خلالها لما حدث هذا النوع من الانقسام منذ اليوم الأول الذي اختارت فيه بعض الدول العربية تقديم نفسها عبر هذه الهويات.
أولاً، من المهم أن ذكر هنا أن الانقسام المجتمعي لايقل خطورة عن الانقسام السياسي بشكله الموجود الاَن. وبالطبع ليست كل الدول العربية مهدده بالانقسامات السياسية ولكن الأغلب منها يعاني من انقسامات مجتمعية كبيرة، أدَت وتؤدي إلى تفكك المجتمع العربي حتى من داخل القُطر الواحد.
ويُعد تغليب الهويات الفرعية على الهوية العربية الرئيسة أحد أهم الأسباب التي أسهمت في نمو مثل هذا النوع من الانقسام في الدول العربية. فمثلاً في بلد عربي كتونس، والتي تعتبر في مأمن من الانقسامات السياسية إلى حدٍ ما نجد أنها تعاني بشكل كبير من هذا الانقسام المجتمعي بشكل حاد، حتى إنه أصبح يهدد عملية التحول الديمقراطي هناك.
ومن الضروري هنا معرفة أن الانقسام المجتمعي يتشكل من خلال غياب العدالة بين مكونات المجتمع، ويغذيه غياب الهوية الجامعة لهذه الطبقات. فهنا تتحول الوحدة المجتمعية من وحدة قائمة على أُسس مشتركة في المصالح والأهداف إلى وحدات منفصله داخل سياق مجتمعي ضيق بأهداف خاصة ومصالح لا يمكن أن تلتقي مع أي أطراف أخرى، ومنها على سبيل المثال: الانقسام المذهبي، الانقسام القبلي والانقسام المناطقي. هذه الوحدات المنقسمه صنعت لنفسها هويات خاصة لا تُعبر إلا عنها، قاطعة بذلك الطريق على أي مصلحة مجتمعية قد يلتقي بها الكل، وأعني بذلك نمو الفكرة القائلة بأن كل ما فيه نفع للجميع هو بالضرورة أمر مُضر لمصالحنا كفرق منقسمه، لأنه في النهاية يعزز من سلطة هذه الفرقة أو تلك.
أما على الجهة الأخرى، فإن هذا التغليب للهويات الفرعية أفضى إلى حالة من الانقسام السياسي داخل أغلب الأقطار العربية، سواءً على الصعيد الداخلي أو حتى الصعيد الخارجي. فعلى الصعيد الداخلي مثلاً، نستطيع أن نلاحظ كيف تحول دور الأحزاب السياسية من الرقابة على أداء الحكومة، التي لا تشارك فيها هذه الأحزاب، إلى دور اَخر وهو السعي إلى المحاصصة السياسية على أساس هذه الهويات الفرعية التي تنتمي لها، وبهذا تخلت هذه الأحزاب عن دورها المناط بها وهو ضمان أداء حكومي يخدم الجميع.
وأيضاً، دفع هذا النوع من الانقسام الحزب السياسي الذي يتولى السلطة إلى قيادة البلاد من منظور مصلحة الحزب لا مصلحة الشعوب، فغياب الهوية الجامعة هنا، والتي من المفترض أن تكون هي الغطاء الذي تتحرك من خلاله الأحزاب السياسية، أثر في دور الأحزاب لتغلب عليه النزعة الانعزالية عن المحيط الفعلي التي تأسست لخدمته، فأصبحت تعبر عن مصالح مجموعة صغيرة جداً ضمن محيط منقسم على نفسه.
ومن هذا المنطلق، لم يصبح للأحزاب السياسية دور فعال في حماية مصالح الشعب ككل ومصالح الدولة لأنها ببساطة تحولت في دورها من حزب سياسي إلى تنظيم ديني وقومي ومناطقي لا يعبر إلا عن من هو داخل إطار هذا المحيط. وبالطبع، مثل هذا الانقسام السياسي الداخلي يؤثر بشكل مباشر في عرقلة تقدم الدولة تجاه أي خطوة للأمام.
على الصعيد آخر، فإن تغليب الهوية الفرعية على حساب الهوية العربية الجامعة إدى إلى انقسام السياسة الخارجية للدول العربية فيما بينها، فنلاحظ هنا أن الخلاف أصبح سمة من سمات السياسة الخارجية العربية تجاه أي قضية في هذا العالم.
وحتى على مستوى القضايا العربية، فهناك انقسامات كبيرة تجاه بعض القضايا الرئيسية، كالقضية السورية والليبية والعراقية أيضاً. وهذه الاختلافات التي صنعتها هذه الهويات الفرعية جعلت من بعض الدول العربية تتحرك خارجياً بشكل فردي، ويُصاحب تحركها هذا قلق سياسي من الدول العربية الأخرى بسبب هذا الانقسام، فأصبح أي تحرك لهذه الدولة أو تلك هو بالضرورة تحرك يحمل أطماعا سياسية تتعارض مع دول عربية أخرى، مما نتج عنه توجه الدول العربية إلى بناء شبكة تحالفات أخرى خارج نطاق هذه المنطقة، وهي تحالفات بالضرورة لا تُعنى بالمصلحة العربية بشكل عام. هذه الإختلافات والتحركات الفردية للدول العربية عرَضها للاختراق بسهولة من قبل قوى إقليمية وقوى دولية في آن معا، وكل هذا باسم الحماية والدعم.
بعد مرور الكثير من الوقت على هذه الانقسامات، أصبح من المهم معرفة أن أي تحرك خارج نطاق الهوية العربية هو بالتأكيد أمر يزيد من حالة الانقسام العربي. فتغليب الهويات الفرعية هنا كان أحد أهم أسباب فشل السياسة الداخلية والخارجية للدول العربية، وهو ما حولها إلى مجموعات منقسمة على بعضها لا تملك مصالح مشتركة ولا رؤية واحدة تستطيع التحرك من خلالها، وهو ما ساهمم بشكل مباشر في ظهور دول عربية متهالكة.
المصدر: إيوان 24
التكامل العربيّ: إشكاليّات الهويّة العربيّة وتحديّاتها
الكاتب بيان صحفي، مؤسسة الفكر العربي
عقدت مؤسَسة الفكر العربيّ بالتعاون مع جامعة الدول العربيّة ورشة عمل بعنوان "التكامل العربيّ: إشكاليات الهويّة العربيّة وتحديّاتها"، يومَي 9 و10 سبتمبر/ أيلول بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية-القاهرة.
وتأتي هذه الورشة في إطار تحضير مؤسَسة الفكر العربَي لعقد مؤتمرها السنوي " فكر 14" المعنون بـ"التكامل العربي: تجارب، تحديات، وآفاق"، والمقرَر عقده في الفترة من 6-8 ديسمبر/ كانون الأول 2015 في القاهرة، وكجزء من الإعداد للتقرير العربيّ الثامن للتنمية الثقافيّة.
وقد عُقدت هذه الورشة بمشاركة عددٍ من أبرز الباحثين والخبراء والأكاديميّين على المستوى العربيّ، ومنهم:
محمد سامح عمر، سفير مصر باليونسكو ورئيس المجلس التنفيذي للمنظمة (مصر)، الدكتور عماد أبو غازي، أستاذ الوثائق في جامعة القاهرة (مصر)، الأستاذ هشام جعفر، كاتب وباحث (مصر)، الدكتور نهى بكر، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية (مصر)، الدكتور نبيل عبد الفتًاح، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (مصر)، الدكتور زياد الدريس، المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى منظمة اليونسكو (المملكة العربية السعودية)، الأستاذة وفاء صندي، كاتبة وصحفية وباحثة في شؤون مصر والشرق الأوسط (المملكة المغربية)، الأستاذة مرح البقاعي، أكاديمية وكاتبة سياسية (الجمهورية العربية السورية)، الدكتور وليد السيف، مستشار الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب (دولة الكويت)، الدكتور يوسف الحسن، كاتب وباحث، سفير متقاعد (دولة الإمارات العربية المتحدة)، الأستاذ الفضل شلق، سياسي وكاتب (الجمهورية اللبنانية)، جميلة عيد الرويلي، دبلوماسية، المندوبية الدائمة للمملكة العربية السعودية في جامعة الدول العربية (المملكة العربية السعودية)، الدكتور محمد المعزوز، رئيس مركز شمال أفريقيا للسياسات (المملكة المغربية)، السفير أحمد إيهاب جمال الدين، سفير مصر في المملكة المغربية (جمهورية مصر العربية).
ومثَل مؤسَسة الفكر العربيّ الأستاذ الدكتور هنري العويط، المدير العام للمؤسّسة، والأستاذ أحمد الغز، مستشار رئيس المؤسّسة، وتمثلت الجامعة العربية بـالدكتور عبد اللطيف عبيد، الأمين العام المساعد ورئيس مركز جامعة الدول العربيّة في تونس.
أما السادة معدًو الأوراق البحثية فهم: الدكتور أحمد سراج، أكاديمي، جامعة المحمدية (المملكة المغربية)، والسفير الدكتور خالد زيادة، سفير لبنان في مصر، والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية (الجمهورية اللبنانية)، والدكتور عبد الله ولد أباه، أكاديمي، جامعة نواكشوط (موريتانيا).
وقد تولًى تنسيق الورشة الدكتور سمير مرقس (جمهورية مصر العربية) والأستاذ محمد أوجار (المملكة المغربية)، وتولًى إدارة جلساتها، الدكتور سمير مرقس.
وقد تعرًضت الورشة باستفاضة لمسألة الهوية العربية، والتحديات التي تواجهها اليوم على الصعيد الداخلي للبلدان العربية وما تشهده من أحداث تؤثًر على تركيباتها الاجتماعية والسياسية، فضلا عن التطورات الإقليمية والأحداث الدولية، وقد تمحور النقاش حول القضايا التالية:
- تعريف الهوية: لاحظ المشاركون أن تعريف الهوية يتًسم بقدر كبير من السيولة، ومن الإشكاليات التي تخصً الموضوعات الحيوية المرتبطة بها، مثل (اللغة، الثقافة، الدين، التاريخ...إلخ). وفضلاً عن طابعها المركًب، أكًد المشاركون أن مفهوم الهوية يُعتبر موضوعاً دينامياً قابلاً للتكًيف والانفتاح والتجدد أمام المستجدات الفكرية والسياسية التي يشهدها العالم. كما أشار المشاركون إلى إمكانية وضرورة مقاربة الهوية من مداخل متعددة.
- الهوية في المسار التاريخي: تمً التشديد على أهمية السياق التاريخي في التعاطي مع مسألة الهوية كمدخل لفهمها وضبط مسارها وتجلياتها عبر هذا التاريخ.
- قضية الهوية في إطارها المعولم: تمَ اعتبار إشكالية الهوية إشكاليةً كونيةً لا تقتصر على المنطقة العربية، ولكنها إشكالية تشهد نفس العوائق والتطورات في مختلف بلدان العالم، بما فيها تلك التي قطعت أشواطاً في الديمقراطية، وذلك بفعل العولمة وتداعياتها.
- الهويات الفرعية: يُعتبر بروز مطلب "الهويات الفرعية" ظاهرة عالمية يشهدها الوطن العربي على نحو مختلف، ويقتضي منه التعامل معها وفقاً لمبدأ الشراكة، باعتبار تنوًعها مصدراً للغنى، لا باعتبارها تهديداً أو مصدراً للقلق، ما يستدعي التصدي فورا لخطابات وممارسات الإقصاء والتهميش، ومن ثم العمل الدءوب على إصدار التشريعات والأخذ بالسياسات التكاملية في شتى أرجاء الوطن العربَي، وفي مختلف المجالات.
- الهوية من منظور علاقتها بالعروبة والإسلام: اتفق المشاركون على ضرورة التعاطي مع قضية الهوية باعتبارها وعاءً قادراً على استيعاب كافة عناصرها ومكوًناتها، في مركًب تفاعلي جامع، بغضً النظر عن الأوزان النسبية لكل عنصر أو مكوًن. و لابد بالتالي من تجاوز الصراع المفتعلَ بين العروبة والإسلام، كمدخلٍ إلى انخراط جميع المواطنين في مشروع بناء الدولة الوطنية الموحًدًة والموحًدِة.
- في تجديد فكرة العروبة: توافق المشاركون على أن هناك أربعة مرتكزات أساسية يجب العمل على تفعيلها وترسيخها ونشر مبادئها على أرض الواقع، وهي (الديمقراطية، التعددية، التنمية، والحداثة التي ليست في خصومة مع التراث) على نحِو يُلبي آمال المواطنين العرب ويستجيب لتطلعات الشعوب العربية، وفي الوقت ذاته انخراطهم في هذه العملية.
- اعتبر المشاركون أن بناء نموذج جديد للعروبة يقتضي إشراك الشباب في اكتساب وتجسيد ثقافة الانتماء الوطني والهوية العربية.
وفي ختام الورشة دعا المشاركون إلى العمل على بناء هوية وطنية جامعة بين مختلف المكوًنات، كشرط ومدخل لبناء هوية عربية جامعة، تحقيقاً لهدف التكامل المنشود، ومن أجل مشاركةٍ أفعل في الهوية الإنسانية الشاملة.
المصدر: مؤسسة الفكر العربي
محاضرة حول تسييس الطائفة في التاريخ البحريني ألقاها الدكتور عمر الشهابي ضمن فعاليات الموسم الثقافي الثالث والستين لجمعية تاريخ وآثار البحرين بتاريخ 5 نوفمبر 2016
التساؤلات التي تطرحها هذه الدراسة يمكن تلخيصها في الآتي:
ما ابرز أنواع التعددية الثقافية في مجتمعنا العربي بشكل عام والعراقي بشكل خاص ؟كيف نعالج الصور النمطية الزائفة والمترسخة في المجتمع عن الأقليات؟
ماالطريقة المثلى للتعامل مع الأقليات دون تحجيم حرياتهم او الاعتداء عليها؟
ماهي السياسة الإعلامية الأكثر عدلا لتحقيق التوازن بين ثقافة الأغلبية وثقافة الأقلية؟
و كيف تحق السلم الأهلي في ظل تنوعات وتعددية ثقافية ؟
للإطلاع على هذه الدراسة كاملة يرجى تحميلها من قسم المرفقات بالأسفل.
المصدر: أحد أبحاث ندوة الإتصال والسلم الأهلي، كلية الإعلام، جامعة بغداد
منشورة على موقع مجلة الباحث الإعلامي، جامعة بغداد
المزيد...
لقد ركزت الأديان السماوية جميعها في دعواتها ونصوصها على حقائق مشتركة الا وهي ,الدعوة الى التمسك بالقيم الأخلاقية والإنسانية في التعامل مع الناس.
وبغض النظر عن التفاصيل والجزئيات في أداء الطقوس والعبادات والعقائد الخاصة بكل دين الا انها ركزت على الخلق الحسن والصدق والأمانة والإخلاص والتسامح,وكل ذلك جاء بدعوى التعايش والذي كان في مقدمة ما تعمل عليه.
الدراسة كاملة مرفقة بالأسفل.
المصدر: أحد أبحاث ندوة الإتصال والسلم الأهلي، كلية الإعلام، جامعة بغداد
منشورة على موقع مجلة الباحث الإعلامي، جامعة بغداد
إن التعايش يقصد به أمكانية العيش مع الأخر المختلف جنساً أو ديناً أو لغة أو حضارة....أو إي اختلاف أخر متصور، والقدرة على ذلك العيش بيُسر ودون صعوبة أو حرج. أما ثقافة التعايش معهم داخل حيز مكاني وزماني واحد أو متقارب سواء كان الآخرون أقلية أو أكثرية. أما تعايش الثقافات فهو تجسيد عملي ونوعي للتعايش وثقافته على أرض الواقع اجتماعيا وتشريعياً وتنظيمياً، بحيث يوفر للآخرين المختلفين كل الضمانات القانونية والمادية والمعنوية للعيش بصورة عادية دون مشقة أو عناء وفق خصوصياتهم المتعددة و المتنوعة.
واتساقاً مع ذلك يمكن لنا إثارة التساؤل الأتي، هل قدم الإسام كدين وثقافة وحضارة تصو ا رً للتعايش وثقافة للعيش المشترك مع الأخر المختلف؟ وهل قدم المسلمون في تأريخهم وتجربتهم الإنسانية أنموذجا أو نماذج حية وحقيقية تؤطر ضمن خانة التعايش السلمي؟
الدراسة المرفقة بالأسفل تحاول إجابة هذه الأسئلة
المصدر: أحد أبحاث ندوة الإتصال والسلم الأهلي، كلية الإعلام، جامعة بغداد
منشورة على موقع مجلة الباحث الإعلامي، جامعة بغداد
«لندْعُ هذا الانفصال الزائف الذي يرمي بالآخر في خارج مطلق «اختلافاً متوحشاً». إن هذا الاختلاف لا بد وأن يضيع في متاهات الهويّات الحمقاء».
ع. الخطيبي
هل ما يهمّ النظام الديموقراطي هو أن تتكاثر الأحزاب وتتوالد، أم أن يكون فيه الحزب من الحيويّة بحيث يستطيع أن يستوعب تعدُّد الأصوات واختلاف الآراء؟ هل تعدّدية الحزب هو أن يدفعك إلى أن تقف خارجه منافساً، أم أن يمكّنك من أن تُقيم «فيه» مخالفاً؟ هل مفهوم الهويّة هو الاسم الموحِّد لـكثرة من العناصر، أم أنه الحركة التي تربط فيما بين مكوّنات متعدّدة؟ هل يتمّ الاختلاف بين كثرة من الهويّات «المتخارجة»، التي لا يبالي أحدها بالآخر IN-DIFFÉRENTES ، أم أنه ذاك الذي ينخر الهويّة ويعدّد أطرافها ويفتحها على الآخر؟ هل ما يجمعنا، وما يمكّننا من العيش-معاً، هو الاختلاف حيث تمتد التفرّدات في خط أفقي متباينة مترابطة، أم هو التميّز الذي ينتظم فيه الأفراد وفق سلّم عمودي منفصلين متفاضلين؟
القاسم المشترك بين هذه الأسئلة جميعها هو الثنائي: كثرة/تعدُّد، ولا شك أن الإجابة عنها تتوقّف على ما نعنيه بهذين المفهومين، وما نفترضه من اختلاف بينهما.
نعلم أن المدّ الفلسفي الذي طوّر مفهوم التعدُّد هو المدّ التجريبي، وخصوصاً عند الفيلسوف دافيد هيوم، كما أوضح ذلك جيل دولوز في كتابه الأساس «التجريبية والذاتية». في المنظور التجريبي الكائنات علائق و«بيْنِيات»، والوجود الفعلي هو للروابط، ما كان جان فال يُعبّر عنه بقوله: «الوجود للمعيات ET وليس للماهيات EST». العلاقة هي الأصل في الذات، وليس العكس. العلائق هي ما يُوَلّد العناصر، وليست هي ما يتولّد بيْن العناصر. فلا شيء يتحقق بذاته، كل عنصر يتولّد عما يتجاوزه. ولا وجود لكل موحِّد. كل ما يوجد هو الانفتاح اللانهائي وحركة التداخل والتعدُّد التي لا تنقطع. هنا يغدو الكائن ترابطاً ظرفياً حركياً لا يخضع لأيّ مبدأ قار، وتصبح الهويّة مفهوماً ثانوياً، أعني يأتي ثانية، ما دامت توليفاً بين أطراف. لن يعود الاختيار مطروحاً بين الهويّة ونفيها، وإنما بين هويّة مفتوحة على إمكانات متعدّدة، وأخرى محدّدة تحديداً أزلياً. ستغدو الهويّة هنا جمعاً يُقال على المفرد. إنها، على حَدّ قول دولوز، تركيب جغرافي، وليست نشأة تاريخية. لن تعود المسألة الأساسية إذاً تحرير المتعدّد، وإنما توجيه الفكر نحو مفهوم متجدّد للواحد. كما لن يعود التعدُّد هو ما يقابل الوحدة، وإنما ما يقابل الكثرة.
الكثرة MULTIPLICITÉ هي تعدّدية «الكم المنفصل»، وهي تعدّدية حسابية لكونها تقوم أساساً على آلية توليد مجموعة الأعداد الطبيعية نفسها، وأعني عن طريق إضافة وحَدة إلى الوحَدات، إضافة صوت إلى الأصوات، لغة إلى اللّغات، رأي إلى الآراء، حزب إلى الأحزاب، عنصر إلى العناصر، فرد إلى الأفراد.
على عكس الكثرة التي تنحل إلى «تعداد»، فإن التعدّدية PLURALISME تروم خلخلة مفهوم الوحْدة ذاته، وتفكيك الثنائي وحدة/تعدّد. الكثرة كثرة «خارجية»، أما التعدّدية فتقيم «داخل» الوحْدة، فتجعل الاتصال ينطوي على انفصال، والوحدة تشمل حركة وتضم أطرافاً. فليست علاقة الوحْدة بالتعدّد كعلاقة الكل بالأجزاء، أو المجموع بمكوّناته، وإنما كعلاقة الهويّة بالاختلاف.
التوحيد في الكثرة توحيد اختزالي، يُرجع العناصر جميعها إلى عنصر أساس، ويردّها إليه و«يختزلها» فيه (كما تختزل الكسور في الحساب)، بحيث لا تغدو العناصر الأخرى تفرّدات تقوم جنباً إلى جنب، وإنما مشتقات تنبع من مصدر، وفروع تتفرّع عن منبع، ونسخ تُقاس على أصل. هذا التوحيد اختزال لأنه يميّز في الكثير بين أصل وفروع، بين مرتبة أساس ومراتب ثانوية، بين «هويّة حقيقية» و«هويّات مستنسخة» فيردّ هذه إلى تلك ويقيسها عليها.
أما التعدّدية فإنها «تمتد» في فضاء يترك لكل عنصر نصيبه من التميّز، ويسمح للتفرّدات بنصيبها في الوجود. ها هنا تكون الوحدة من الحيويّة، بحيث تستطيع أن تستوعب التعدّد، ويصبح التعدّد مفهوماً باطنياً «يصدّع الوحدة ويضمّ أطرافها»، فيغدو إنسان التعدّدية ليس ذاك الذي يحمل عِدّة جوازات، ويتكلّم عِدّة لغات، وإنما ذلك الكائن السندبادي الذي «يوجد» بين لغات، وبين ثقافات، والذي لا ينفك ينفصل عن ذاته فينظر إلى الآخر على أنه المجال المفتوح للانفصال والالتقاء اللامتناهيين، ويرى إلى العيش- معاً شرطاً لوجوده.
أعادت ظواهر الإرهاب والعنف في العالم المعاصر، سؤال التعايُش بين الأفراد والجماعات إلى دوائر الجدل السياسي والثقافي في العالم أجمع. ففي الأحداث الإرهابية التي تنفجر كل يوم في الشرق والغرب وفي الشمال والجنوب، نتبيَّن ملامح التربُّص والتخندُق وقد عادا إلى الظهور بأشكال وصور مختلفة، الأمر الذي حوَّل المجتمعات إلى مَعْقِل للخوف وعدم الأمان.
وإذا كان من المؤكد أن الحروب المتواصلة في العالم، تتخذ اليوم صوراً جديدة مختلفة عن أنماط الحروب التي مرّت في التاريخ، فإن من المؤكد أيضاً، أننا نعيش اليوم أنماطاً من المواجهات الحربية، تستعمل فيها وسائط عديدة أبرزها فزَّاعة الإرهاب، حيث تُمارس انفجارات بالوكالة، مُخَلِّفَةً عشرات القتلى ومئات الجرحى، إضافة إلى آلاف المهجَّرين والخائفين والمغرَّر بهم، الأمر الذي يُنتج أشكالاً من الحقد بين المجتمعات، يترتَّب عنها استبعاد إمكانية التواصل والتعايُش. فينبعث التمييز العنصري والكراهية مُعَزَّزَين بلغة القطع واليقين المعادية لمنطق التاريخ، لغة المواجهة بين الإسلام والغرب، بين الأعراق والألوان والهويّات، وهي لغات تستنجد بقيم وقواعد ومفردات مُعادية للتعايُش والحوار، ومُخاصمة لروح التعاون والتضامن، أي مُعادية لكل القيم الضامنة للاستقرار في المجتمع الواحد وبين المجتمعات.
لنتأمَّل أوضاع ساكنة المدن الفرنسية اليوم من العرب المسلمين، وسط الوقائع الإرهابية التي عمّت مدناً فرنسية عديدة، ولنتأمَّل أيضاً حالة المهجَّرين من بؤر الحروب في المشرق العربي، ففي أوضاع من أشرنا إليهم على سبيل التمثيل تسود صُور من الريبة والخوف. ويصبح المجتمع بمثابة فضاء لتوقُّع أبشع أشكال القتل والحرق، بدل أن يكون إطاراً للتعارف والتعاون والتآزر.
يقتضي العيش المشترك في المجتمع الواحد الانتصار لقيم المجتمع المنفتح على التنوُّع والتعدُّد، تنوُّع الثقافات وتعدُّد العقائد، كما يقتضي ضرورة الإيمان بالمساواة رغم الاختلافات العديدة القائمة بين أفراد ومجموعات التنظيم الاجتماعي. ولا شك في أن مختلف المبادئ والقيم التي أشرنا إليها، تعبِّر عن شكل من أشكال تطوُّر المجتمعات البشرية في العالم الحديث.
إذا كنا نعرف أن عمليات التَّعَوْلُم الجارية في عالم اليوم، تدعمها بصورة قوية آليات التطوُّر الحاصل في تقنيات التواصل الافتراضي بوسائطها التقنية الجديدة، أدركنا أهمية تطوير آليات وأنظمة الاندماج في عالم تتقلص المسافات بين فضاءاته، في الوقت الذي تتضاعف فيه بين مكوِّناته أخلاق التَّنافُر والتَّنَابُذ. فكيف نعيد الاعتبار لمبدأ التعايُش الثقافي والحضاري دون إقصاء مبدأ الاختلاف والتنوُّع، أي دون جعل التنميط القسري بديلاً لمآثر التنوُّع والتعدُّد في المجال الثقافي؟
نُفكّر في موضوع التعايُش الثقافي انطلاقاً من مقدّمة كبرى، نقرّ فيها بأنه لا حديث عن عيش مشترك وعن تواصل متفاعل مع الآخر والآخرين دون اختلاف وتعدُّد في وجهات النظر، في كل ما يجري بيننا وما يجري في العالم من حولنا، فنحن نفترض أن فهم وتعقُّل مختلف أوجه الحياة لا يمكن أن يحصل بطريقة واحدة. كما نفترض أن الحوار الناشئ في قلب المجتمعات، يتيح إمكانية تقريب وتجسير الفجوات والاختلافات التي تنشأ بين الذين يتقاسمون الحياة في المجتمع الواحد والكوكب الواحد.
ينتج عن المقدّمة السابقة مقدّمة أخرى مفادها، أنه لا تعايُش ولا تواصُل دون تسليم بالنديّة والتكافؤ بين من يجمعهم مصير مشترك، والمقدمتان معاً تعتبران من القواعد الكبرى المؤسِّسة لروح الفكر والثّقافة في المجتمعات الحديثة. صحيح أن الاختلاف بين البشر قديم، وأن منظومات الفكر والثّقافة والتعاون في التاريخ رُكِّبََت في إطاره، وصحيح أيضاً أن أفق المساواة شَكَّل ويشكّل بؤرة ناظمة لتطلعات وأحلام البشر في التاريخ، إلّا أن حديثنا هنا عن هذه المقدمات يرتبط بفضاء التحديث السياسي والثقافي المطلوبين في مجتمعاتنا، حيث أصبح مبدأ الاختلاف ومبدأ التكافؤ بمثابة الأسين الناظمين لكل مشروع ثقافي، وأصبحت قوة النماذج الثّقافيّة تستند أولاً وقبل كل شيء، إلى الجدارة المعرفية والتاريخية التي تؤهلها لتكون مقنعة وفاعلة داخل المجتمع، دون إغفال فضائل منتوج التفاعل الحاصل بفعل التساكن ومقتضيات العيش المشترك.
العيش المشترك وضرورة الاعتراف المتبادل
لو اتّجهنا للبحث في مبرِّرات أزمة التعايُش الثقافي القائمة داخل المجتمعات، لاكتشفنا أن وراءها سلاسل من الأوهام المعادية للاعتراف المتبادل، الاعتراف التاريخي والموضوعي الذي يُشكل في نظرنا الخطوة الأساس في كل حوار يُمَهِّد لإنجاز التوافقات المساعدة على حسن التصرُّف، أي المساعدة على بناء الخيارات المطابقة لواقع الحال في تعدُّده وتناقضه، في توتُّره واختلافه، من أجل إنتاج ما يساعد على تخطي العناصر التي تعوق بناء حاضر ومستقبل مشترك، حاضر يستند إلى الطموحات الجامعة بين كل الأطراف التي يهمها مصير الإنسانية في التاريخ.
تقف في نظرنا، ثلاثة أوهام كبرى وراء المفاهيم المؤجِّجة اليوم في العالم، أوهام عقائديّة وأوهام نفسيّة وثالثة سياسيّة. تتمثَّل الأوهام العقائدية في التصوُّرات والأفكار التي تحوِّل المذاهب والعقائد إلى دوغمائيات صنمية، حيث يتم استبعاد التاريخ وتحويل الأفكار إلى نماذج نظرية مُغلقة، نماذج نُخاصِم العالم بواسطتها وانطلاقاً منها، وهذا الموقف يحوّل العقائد من أدوات مساعدة على الفهم والإدراك والتعقُّل، إلى أدوات مُرْبِكَة لآليات الفهم والتواصل والتعايُش؛ حيث نُصبح أمام مواقف تستبعد كما قلنا لغة التاريخ، لمصلحة لغات أخرى تحتفي بالمطلقات وتُعادي التاريخ. يعني استبعاد لغة التاريخ والفكر التاريخي استبعاد لغة النقد والنسبية، وهما من أكبر مكاسب التاريخ الحديث والمعاصر.
نتعلّم من دروس الفكر المعاصر في الفلسفة والعلم، أن التعايُش الثّقافي المؤسَّس في إطار العيش المشترك يُساهم في تطوير منظومات الفكر كما يساهم في تطوّر المجتمعات البشرية. كما نتعلَّم من الدروس المذكورة، أن مشروع الثّقافة الكونية التي يتطلَّع إليها الجميع عبارة عن مشروع في التعدُّد والاختلاف، مشروع في احتضان النقد والفكر النقدي وبصورة متواصلة، وتُعَدُّ مكاسبها ومنجزاتها محصلةً لتاريخ من التعايُش المشترك، وأن مستقبلها مرهونٌ بانخراط الجميع في إعادة تأسيسها في ضوء ما يعرفه العالم من تحوُّلات ومآزق.
إن كل حديث عن ثقافة غربية تخصّ مجموعة بشريّة بعينها يُعَدُّ في نظرنا مجرد حديث في الأعراق والأصول الأسطورية، أي مجرد حديث لا علاقة له بالتاريخ الفعلي، وهو تاريخ مفتوح ومتعدّد. كما أن الحديث عن الإسلام والحضارة الإسلامية بلغة الدوغما المغلقة والنص المعياري المطلق يندرج ضمن الأفق نفسه، أفق اليقينيات القطعية والنقية، وهو الأمر الذي تكذبه شواهد التاريخ، حيث لا يشكل الإسلام المعياري أكثر من يوتوبيا موازية في التاريخ للإسلام التاريخي، الإسلام كما نشأ وتطوَّر وما فتئ يتطوّر في التاريخ. ومقابل التقليص من حضور المطلقات العقائدية أثناء الحديث في المجال الثقافي، ينبغي أن نُولِيَ عناية كبيرة بمفهوم المثاقفة وأدوارها في التاريخ وفي التقدُّم.
أما الأوهام النفسيّة فتتمثَّل في نظرنا في المحن والأزمات المرتبطة بوعي الفارق، وعي الأقوياء بقوتهم ووعي المتأخرين بتأخرهم، وهذا الأمر يولِّد في النفوس كثيراً من الضغائن والأحقاد المتبادلة. إلّا أننا نرى أن الإدراك الموضوعي والتاريخي لمظاهر القوة والتأخر، يتيح لنا إمكانية التفكير في كيفيات تقليص درجات التوتر، وبناء ما يسعف بترتيب علاقات تاريخية أكثر توازناً، وفي هذه الحالة تكون الأطراف المعنية بالعيش المشترك مطالبة باستحضار مطلب التفكير بالقيم والمفاهيم النسبية والتاريخية، أي المفاهيم القادرة على بناء توافقات يكون بإمكانها بلورة خيارات ومواثيق مساعدة على تقليل حِدّة التوترات، وتقليص درجات الغليان المولِّد لأشكال من الانفجار بعضها حصل وبعضها الآخر ممكن الحصول، وهو ما يعني المزيد من المساهمة في تكريس التنافر والتباعد القائمين.
أما الأوهام النفسيّة فيترتَّب عنها مجموعة من الضغوط التي لا تسمح بالتعايُش الثقافي، ولن نتمكّن من تفتيت الضغوط السائدة إلّا بتركيب مفاهيم قادرةٍ على إنجاز التواصل المساعد على بلورة ممكنات التوافق التاريخي، الذي يجعل الجميع يشتركون في صناعة ثقافة المستقبل.
يُمكن تعيين الأوهام السياسيّة القائمة في الخلط بين مستويات الاختلاف والتناقُض، المنتشرة بين المجموعات الثّقافيّة والسياسيّة في العالم المعاصر، وهي المجموعات التي تندرج جميعها في فضاء التعايُش المطلوب في عالمنا، وهو اختلاف مشروع ومُبرَّر، بين إرادة في الهيمنة تروم تنميط العالم وفق تصوُّر واحد، دون مراعاة القيمة التاريخيّة للتنوُّع والتعدُّد الثقافي في التاريخ. فإذا كان من المؤكد تاريخياً وجود صراعات ومعارك سياسيّة متعدّدة في العالم، صراعات في أكثر من جبهة وجهة، فإن هذه المعارك ينبغي ألّا تتحوّل إلى معارك متجاوزة لحدود معطياتها التاريخية المحدَّدة لتصنع أعداء مفترضين لثقافة وحضارات يملكها الجميع.
نعم هناك خلافات سياسية عنيفة بيننا وبين الغرب الأوروبي والأميركي، وهي خلافات ترتبط بقضايا مُحدَّدة في الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد وتدبير العلاقات والمصالح المشتركة، إلّا أنه لا ينبغي التفكير في هذه الخلافات خارج سقفها العياني والمحدَّد، وهو السقف الذي تُعَيِّن معاييره الضابطة آليات المنافع والمصالح التاريخية والمادية. أما المساعي التي تتجه لابتكار أسماء ومفاهيم لا علاقة لها بمسارات الصراع القائمة، فإنها تساهم كما قلنا في كثير من الأحيان في صناعة أعداء بمقاسات أخطر مما يتصوَّر المساهمون في تركيب هذه الصوَّر، فقد تنطلي الصور المركَّبة على مبتكريها وعلى المنسوبة إليهم، فتتحوَّل السيناريوهات المفترضة إلى وقائع، حيث يصبح الاختلاط سيد المواقف والمواقع. وقد يترتب عن هذا الأمر جملة من الأمور غير المتوقّعة، لهذا السبب يكون من الضروري في خطابات فهم وتعقُّل الظواهر السياسيّة والتاريخيّة، التمييز في المعارك بين المعطيات في مستوياتها القريبة والبعيدة، حتى لا تنفلت الوقائع واللّغات، وتتحوّل المفاهيم إلى أدوات حربية، يصعب الحدّ من مفعولها في المدى الزمني القريب، وهو الأمر الذي يقتضي مزيداً من الحذر عند محاولة فهم معطيات التاريخ في أبعادها المختلفة.